هل الوصايا العشر مقتبسة من قوانين حمورابي؟ نظرة أرثوذكسية شاملة

ملخص تنفيذي

هل الوصايا العشر مقتبسة من قوانين حمورابي؟ سؤال يطرح نفسه مرارًا، ويستدعي فحصًا دقيقًا من منظور أرثوذكسي قبطي. هذا البحث المتعمق يستكشف جذور الوصايا العشر في سياق الكتاب المقدس، مع التركيز على فرادتها اللاهوتية والأخلاقية. سنقارنها بقوانين حمورابي، مع إبراز الاختلافات الجوهرية في الغاية والجوهر. إن الوصايا العشر، بعمقها الروحي ودعوتها إلى محبة الله والقريب، تتجاوز بكثير مجرد مجموعة من القواعد القانونية. هذه الدراسة تسعى إلى فهم أعمق لجوهر الوصايا العشر وتأثيرها الدائم على حياتنا الروحية والأخلاقية، مع التأكيد على أن الوصايا العشر هي هبة إلهية فريدة للإنسان.

كثيرًا ما يُثار الجدل حول أصل الوصايا العشر، وهل هي مجرد نسخة مُعدلة من قوانين حمورابي القديمة؟ هذا البحث يهدف إلى تقديم إجابة شاملة ومستنيرة، مستندة إلى الكتاب المقدس والآباء القديسين، مع مراعاة السياق التاريخي والأثري.

أصل الوصايا العشر في الكتاب المقدس

الوصايا العشر هي جزء أساسي من العهد الذي قطعه الله مع شعبه المختار على جبل سيناء (خروج 20، تثنية 5). هي ليست مجرد مجموعة من القواعد، بل هي تعبير عن طبيعة الله القدوسة وإرادته لخلاص الإنسان. الوصايا العشر هي حجر الزاوية في الشريعة الموسوية، وهي تعكس قلب الله المحب.

الوصايا العشر (تثنية 5: 6-21) (Smith & Van Dyke):

أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَشْتَغِلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ فِيهِ عَمَلاً مَا، أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، لِكَيْ يَسْتَرِيحَ عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلَكَ. وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ فَأَخْرَجَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ. وَلاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ وَلاَ حَقْلَهُ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ.

اللاهوت القبطي الأرثوذكسي للوصايا العشر

في اللاهوت القبطي الأرثوذكسي، الوصايا العشر ليست مجرد قواعد قانونية، بل هي تعبير عن محبة الله للإنسان، وهي دعوة للعيش في شركة معه. إنها خارطة طريق نحو القداسة والبر. الوصايا العشر هي انعكاس لصورة الله في الإنسان، وهي تساعدنا على استعادة هذه الصورة التي تشوهت بالخطيئة.

  • المحبة كأساس: الوصايا العشر تتجسد في وصية المحبة العظمى: “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ومن كل فكرك، وتحب قريبك كنفسك.” (لوقا 10: 27).
  • التوبة والتغيير: الوصايا العشر تدعونا إلى التوبة المستمرة والتغيير الداخلي، لكي نصبح أكثر شبهًا بالمسيح.
  • النعمة والمعونة الإلهية: تحقيق الوصايا العشر ليس ممكنًا بقوتنا الذاتية، بل بالنعمة الإلهية والمعونة الروحية التي يمنحها لنا الروح القدس.
  • الشركة مع القديسين: القديسون هم مثال لنا في حفظ الوصايا العشر، ويمكننا أن نطلب معونتهم وصلواتهم.

قوانين حمورابي: نظرة تاريخية

قوانين حمورابي هي مجموعة من القوانين التي جمعها الملك حمورابي في بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وهي مكتوبة على مسلة حجرية ضخمة، وتغطي مجموعة واسعة من القضايا القانونية، مثل التجارة والزواج والجريمة. قوانين حمورابي تعكس ثقافة ومجتمع بابل القديم.

أوجه التشابه والاختلاف بين الوصايا العشر وقوانين حمورابي

على الرغم من أن هناك بعض أوجه التشابه السطحي بين الوصايا العشر وقوانين حمورابي، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بينهما:

  • المنشأ الإلهي مقابل المنشأ البشري: الوصايا العشر هي كلمة الله، بينما قوانين حمورابي هي من صنع الإنسان.
  • الغاية: الوصايا العشر تهدف إلى القداسة والبر، بينما قوانين حمورابي تهدف إلى تنظيم المجتمع والحفاظ على النظام.
  • التركيز: الوصايا العشر تركز على العلاقة بين الإنسان والله، بينما قوانين حمورابي تركز على العلاقات بين الناس.
  • الشمولية: الوصايا العشر هي مبادئ عالمية، بينما قوانين حمورابي تعكس ثقافة محددة.

نظرة الآباء القديسين

الآباء القديسون أكدوا على فرادة الوصايا العشر وأهميتها الروحية. لقد فهموا أن الوصايا العشر هي تعبير عن محبة الله للإنسان، وهي دعوة للعيش في شركة معه.

القديس إيريناوس:

Ὁ Λόγος τοῦ Θεοῦ, δι’ οὗ τὰ πάντα ἐγένετο, καὶ ὁ Ἰησοῦς Χριστὸς ὁ Κύριος ἡμῶν, ἀεὶ ἐδίδασκε τὸ ἀνθρώπινον γένος, καὶ ἐδίδαξε καὶ διὰ τῶν προφητῶν καὶ διὰ τῶν ἀποστόλων.

(Adversus Haereses, Book IV, Chapter 9, Paragraph 2)

الترجمة الإنجليزية: “The Word of God, by whom all things were made, He is our Lord Jesus Christ, who always taught the human race, and taught also through the prophets and apostles.”

الترجمة العربية: “كلمة الله، الذي به كان كل شيء، هو ربنا يسوع المسيح، الذي كان دائمًا يعلم الجنس البشري، وعلم أيضًا من خلال الأنبياء والرسل.”

هذه الكلمات للقديس إيريناوس تؤكد أن المسيح نفسه هو الذي علم الوصايا العشر من خلال الأنبياء. هذا يعطي الوصايا العشر سلطة إلهية فريدة.

القديس كليمندس الإسكندري:

τὸ γὰρ μὴ ἐπιθυμεῖν καὶ τὸ μὴ ψεύδεσθαι καὶ τὸ μὴ κλέπτειν, νόμος ἐστὶν ἔμφυτος καὶ ἀγράφως ἐν ταῖς ψυχαῖς ἡμῶν κεχαραγμένος.

(Stromata, Book VII, Chapter 16)

الترجمة الإنجليزية: “For not to desire, and not to lie, and not to steal, is a law implanted and unwritten, engraved on our souls.”

الترجمة العربية: “لأن عدم الاشتهاء، وعدم الكذب، وعدم السرقة، هو قانون مغروس وغير مكتوب، محفور في نفوسنا.”

هذه الكلمات للقديس كليمندس الإسكندري توضح أن الوصايا العشر ليست شيئًا خارجيًا، بل هي قانون طبيعي مغروس في نفوسنا. هذا يعني أننا مدعوون بشكل طبيعي لكي نحيا بحسب الوصايا العشر.

❓ أسئلة شائعة

  • ❓ هل قوانين حمورابي أقدم من الوصايا العشر؟

    الإجابة: نعم، قوانين حمورابي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، بينما الوصايا العشر أُعطيت لموسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وفقًا للتسلسل الزمني التقليدي.

  • ❓ هل هناك أي تشابه بين قوانين حمورابي والوصايا العشر؟

    الإجابة: هناك بعض التشابهات السطحية في بعض القضايا القانونية، مثل القتل والسرقة، ولكن الاختلافات الجوهرية في المنشأ والغاية تجعل الوصايا العشر فريدة.

  • ❓ ما هي أهمية الوصايا العشر في الحياة المسيحية؟

    الإجابة: الوصايا العشر هي أساس الحياة الأخلاقية المسيحية، وهي تعبر عن إرادة الله لحياتنا. إنها تدعونا إلى محبة الله والقريب، وإلى العيش في القداسة والبر.

  • ❓ كيف يمكننا تطبيق الوصايا العشر في حياتنا اليومية؟

    الإجابة: يمكننا تطبيق الوصايا العشر من خلال التأمل فيها، والصلاة من أجل نعمة الله، والاجتهاد في فعل الخير، والتوبة عن الخطايا، والعيش في شركة مع الكنيسة والقديسين.

الخلاصة

في الختام، هل الوصايا العشر مقتبسة من قوانين حمورابي؟ الإجابة هي لا. على الرغم من وجود بعض التشابهات السطحية، إلا أن الوصايا العشر فريدة في منشئها الإلهي، وغايتها الروحية، وشموليتها الأخلاقية. الوصايا العشر هي هبة من الله لشعبه، وهي دعوة للعيش في شركة معه. إنها ليست مجرد مجموعة من القواعد، بل هي تعبير عن محبة الله للإنسان، وهي خارطة طريق نحو القداسة والبر. فلنجتهد في حفظ الوصايا العشر وتطبيقها في حياتنا اليومية، لكي نعيش حياة مرضية لله ومباركة لنا. هذه الوصايا العشر هي نور يهدينا إلى طريق الخلاص.

Tags

الوصايا العشر, قوانين حمورابي, الكتاب المقدس, اللاهوت القبطي, الآباء القديسين, شريعة موسى, العهد القديم, الأخلاق المسيحية, التوبة, القداسة

Meta Description

هل الوصايا العشر مقتبسة من قوانين حمورابي؟ بحث شامل من منظور أرثوذكسي قبطي يستكشف أصل الوصايا العشر، مقارنتها بقوانين حمورابي، وأهميتها الروحية والأخلاقية في الحياة المسيحية.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *