هل نص “لا تكن بارًا كثيرًا” (جا 7: 16) دعوة للتهاون في العبادة والطاعة؟ نظرة أرثوذكسية شاملة

ملخص تنفيذي

إن فهمنا لعبارة “لا تكن بارًا كثيرًا” (جامعة 7: 16) يتطلب نظرة متعمقة إلى السياق الكتابي الكامل، بالإضافة إلى فهم التقليد الكنسي الأرثوذكسي القبطي. هذه العبارة ليست دعوة للتساهل أو التهاون في العبادة والطاعة، بل هي تحذير من الوقوع في فخ البر الذاتي والرياء. إن البر الحقيقي ينبع من قلب متواضع ومتكل على نعمة الله، وليس من مجرد ممارسة الطقوس والشعائر. سنستكشف هذا المفهوم من خلال الكتاب المقدس والآباء القديسين، لنصل إلى فهم روحي عملي لكيفية تطبيق هذه الحكمة في حياتنا اليومية. السؤال المطروح هو: كيف نحافظ على توازن روحي سليم بين السعي للقداسة وتجنب السقوط في الكبرياء الروحي، وهل نص “لا تكن بارًا كثيرًا” (جا 7: 16) دعوة للتهاون في العبادة والطاعة؟

مقدمة: كثيرًا ما تثير بعض الآيات الكتابية تساؤلات حول معناها الحقيقي وكيفية فهمها في ضوء الإيمان المسيحي. من بين هذه الآيات، تبرز عبارة “لا تكن بارًا كثيرًا” (جامعة 7: 16) كأحد التحديات التي تواجه القارئ. فهل هذه الآية تدعو حقًا إلى التهاون في العبادة والطاعة؟

تحليل سياقي لـ (جامعة 7: 16) ✨📖

لفهم هذه الآية بشكل صحيح، يجب أن ننظر إليها في سياقها الأوسع في سفر الجامعة. السفر بأكمله يتأمل في عبثية الحياة تحت الشمس، ويسعى إلى إيجاد معنى حقيقي في علاقة الإنسان بالله.

(جامعة 7: 16) (Smith & Van Dyke): “لاَ تَكُنْ بَارّاً كَثِيراً، وَلاَ تَكُنْ حَكِيماً زِيَادَةً. لِمَاذَا تُخْرِبُ نَفْسَكَ؟”

يشير هذا النص إلى أن الإفراط في البر أو الحكمة قد يؤدي إلى نتائج عكسية. ولكن ما المقصود بالإفراط في البر هنا؟

  • الرياء والبر الذاتي: إن النص لا يدعو إلى التقليل من شأن البر، بل يحذر من البر الظاهري الذي ينبع من الكبرياء والاعتماد على الذات.
  • التطرف والتزمت: يمكن أن يؤدي التطرف في تطبيق الشريعة إلى تضييق الخناق على الروح، وفقدان جوهر المحبة والرحمة.
  • الفهم الخاطئ للنعمة: قد يظن البعض أنهم يستطيعون نيل رضى الله بأعمالهم فقط، متجاهلين نعمة المسيح الفدائية.
  • السياق الأدبي: سفر الجامعة يتسم بأسلوبه التأملي، ويدعو إلى الحكمة والاعتدال في جميع جوانب الحياة.

آراء الآباء القديسين في مفهوم البر 🕊️📜

لقد قدم الآباء القديسون رؤى قيمة حول فهم هذه الآية، وركزوا على أهمية التواضع والتمييز الروحي.

القديس أغسطينوس (Augustine of Hippo):Dilige, et quod vis fac.” – “أحب، وافعل ما شئت.” (In epistulam Ioannis ad Parthos Tractatus VII, 8)

(English: “Love, and do what you will.” Arabic: “أحب، وافعل ما تشاء.”)

إن هذه المقولة تعني أن المحبة الحقيقية هي أساس البر الحقيقي، وأن الأفعال التي تنبع من المحبة تكون مقبولة عند الله.

القديس يوحنا الذهبي الفم (John Chrysostom): (Ancient Greek: “Τί οὖν; οὐ δεῖ δικαιοσύνην ἐπιδείκνυσθαι; Δεῖ μέντοι, ἀλλ᾽ οὐκ ἐπὶ καταλύσει τῶν ἄλλων.”) – “إذن، ألا يجب أن نظهر البر؟ يجب ذلك، ولكن ليس على حساب تدمير الآخرين.” (Homilies on the Gospel of Matthew, Homily 19.4)

(English: “What then? Ought we not to show righteousness? Certainly, but not to the destruction of others.” Arabic: “إذن، ألا يجب أن نظهر البر؟ يجب ذلك، ولكن ليس على حساب تدمير الآخرين.”)

يوضح القديس يوحنا أن البر يجب أن يكون مصحوبًا بالرحمة والمحبة، وليس بالقسوة والحكم على الآخرين.

البر في ضوء العهد الجديد ✨📖

يقدم العهد الجديد مفهومًا أعمق للبر، يرتكز على نعمة المسيح والخلاص بالإيمان.

(رومية 3: 22) (Smith & Van Dyke): “بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ.”

يشير هذا النص إلى أن البر الحقيقي هو عطية من الله، ننالها بالإيمان بالمسيح، وليس بأعمالنا الخاصة.

(متى 5: 20) (Smith & Van Dyke): “فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى كِتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.”

هنا، يدعونا المسيح إلى تجاوز البر الظاهري للفريسيين، والسعي إلى بر أعمق ينبع من القلب ويتمم الشريعة بالروح.

التوازن بين العمل والنعمة في رحلتنا الروحية ⚖️

يجب أن نسعى جاهدين للعمل بوصايا الله، ولكن مع الاعتراف بأننا لا نستطيع أن نخلص بأنفسنا. النعمة الإلهية هي التي تبررنا وتساعدنا على النمو في القداسة.

  • العمل بوصايا الله: يجب أن نسعى إلى تطبيق تعاليم الكتاب المقدس في حياتنا اليومية.
  • التواضع والاتكال على النعمة: يجب أن ندرك أننا ضعفاء ومحتاجون إلى معونة الله.
  • النمو المستمر في القداسة: يجب أن نسعى إلى التغيير والتجديد المستمر، بتوجيه الروح القدس.
  • المحبة والرحمة: يجب أن نعامل الآخرين بمحبة ورحمة، كما عاملنا المسيح.

FAQ ❓

س: هل معنى ذلك أننا لا يجب أن نسعى للكمال الروحي؟

ج: بالطبع لا. السعي للكمال الروحي هو هدف أساسي في الحياة المسيحية، ولكن يجب أن يكون هذا السعي مصحوبًا بالتواضع والاتكال على نعمة الله، وليس بالاعتماد على الذات والبر الذاتي.

س: كيف نميز بين البر الحقيقي والبر الظاهري؟

ج: البر الحقيقي ينبع من القلب، ويتجلى في المحبة والرحمة والتواضع. أما البر الظاهري، فهو مجرد ممارسة للطقوس والشعائر دون تغيير حقيقي في القلب والسلوك.

س: ما هي الخطورة في الإفراط في البر؟

ج: الإفراط في البر قد يؤدي إلى الكبرياء الروحي، والحكم على الآخرين، وفقدان جوهر المحبة والرحمة. وقد يؤدي أيضًا إلى فقدان الفرح والسلام الداخلي.

س: كيف يمكننا تطبيق هذه التعاليم في حياتنا اليومية؟

ج: من خلال السعي إلى معرفة الله ومحبته، والعمل بوصاياه بتواضع واتكال على نعمته، ومعاملة الآخرين بمحبة ورحمة، والسعي إلى النمو المستمر في القداسة.

الخلاصة

في النهاية، فإن عبارة “لا تكن بارًا كثيرًا” (جامعة 7: 16) ليست دعوة إلى التهاون في العبادة والطاعة، بل هي تحذير من الوقوع في فخ الكبرياء الروحي والبر الذاتي. يجب أن نسعى إلى البر الحقيقي الذي ينبع من قلب متواضع ومتكل على نعمة الله، وأن نتجنب البر الظاهري الذي يرتكز على الأعمال الخارجية فقط. رحلتنا الروحية هي رحلة توازن بين العمل والنعمة، بين السعي للقداسة والاعتراف بضعفنا وحاجتنا الدائمة إلى معونة الله. لذلك، يجب أن نسأل أنفسنا دائماً: هل نص “لا تكن بارًا كثيرًا” (جا 7: 16) دعوة للتهاون في العبادة والطاعة؟ الإجابة هي لا، بل دعوة للتمييز الروحي والتواضع.

Tags

tags

الكتاب المقدس, جامعة, البر, التواضع, النعمة, الآباء القديسين, العهد الجديد, العهد القديم, المسيحية, الأرثوذكسية, الرحمة, المحبة

Meta Description

Meta Description

هل نص “لا تكن بارًا كثيرًا” (جا 7: 16) دعوة للتهاون في العبادة والطاعة؟ استكشف المفهوم الأرثوذكسي للبر الحقيقي والتوازن الروحي من خلال الكتاب المقدس وآراء الآباء القديسين.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *