التناقض بين شرائع حزقيال وشرائع موسى: نظرة أرثوذكسية عميقة في السماح للكهنة (The Apparent Contradiction Between Ezekiel’s Laws and Moses’ Laws: A Deep Orthodox Look at Priestly Permissions)

مُلخص تنفيذي

هذا المقال يتناول بعمق السؤال الشائك حول التناقض الظاهري بين شرائع حزقيال وشرائع موسى، خاصةً فيما يتعلق بما يُسمح للكهنة في سفر حزقيال وما لم يُسمح به في سفر اللاويين وغيره من أسفار الشريعة الموسوية. نسعى لتوضيح هذا الأمر من خلال منظور أرثوذكسي قبطي، مستندين إلى الكتاب المقدس بعهديه، الكتابات الآبائية، والسياق التاريخي والجغرافي. نهدف إلى إزالة الشكوك وتوضيح أن ما يبدو تناقضًا هو في الواقع تطور في الفهم والتطبيق للشريعة، بما يتناسب مع العهد الجديد ونعمة المسيح. سنبحث في طبيعة الخدمة الكهنوتية، التضحيات، وأنواع الطهارة، وكيف تغيرت هذه الأمور مع مجيء المسيح، الكاهن الأعظم.

السؤال عن **التناقض بين شرائع حزقيال وشرائع موسى – لماذا يُسمح للكهنة أحيانًا بما لم يُسمح به في الناموس؟** يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة الشريعة اليهودية وتطورها عبر الزمن. هذا البحث يهدف إلى إلقاء الضوء على هذه المسألة من منظور أرثوذكسي، مع التركيز على وحدة الكتاب المقدس وأهمية فهم السياق التاريخي والثقافي.

التناقض الظاهري: شرائع حزقيال وشرائع موسى

بدايةً، من الضروري الاعتراف بأن القراءة السطحية للكتاب المقدس قد توحي بوجود تناقضات. لكن الفهم العميق، المستند إلى التقليد الكنسي الأرثوذكسي، يكشف عن وحدة متكاملة. لنبدأ باستعراض أمثلة عن الاختلافات الظاهرية:

  • التضحيات: في الناموس الموسوي، كانت التضحيات الحيوانية أساسية للتكفير عن الخطايا (اللاويين 4). بينما في سفر حزقيال، هناك تركيز أكبر على قداسة الهيكل وحياة الكهنة (حزقيال 40-48).
  • الأكل من الذبائح: الناموس يحدد بدقة ما يمكن للكهنة أكله من الذبائح (اللاويين 7). قد تبدو هناك اختلافات في سفر حزقيال فيما يتعلق بأنواع اللحوم المسموح بها (حزقيال 44).
  • الزواج: الناموس الموسوي يضع قيودًا على زواج الكهنة، بينما قد يُفهم سفر حزقيال بشكل مختلف فيما يتعلق بهذه القيود (حزقيال 44:22).

الفهم الأرثوذكسي: التطور والتحول في الشريعة

الكنيسة الأرثوذكسية تؤمن بأن الشريعة الموسوية كانت بمثابة مُؤدِّب إلى المسيح (غلاطية 3:24). بمعنى آخر، كانت الشريعة مرحلة مؤقتة تهدف إلى إعداد شعب الله لاستقبال المسيح، الذي هو تمام الشريعة (متى 5:17). سفر حزقيال، الذي كُتب في فترة السبي البابلي، يعكس تحولًا في الفهم والتطبيق للشريعة، مع التركيز على:

  • القلب الجديد: “وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ.” (حزقيال 36:26 Smith & Van Dyke) هذا التركيز على التجديد الداخلي يتجاوز مجرد الالتزام الحرفي بالشريعة.
  • قداسة الهيكل: في سفر حزقيال، الهيكل ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو رمز لحضور الله وسط شعبه. قداسة الهيكل تعكس قداسة الكهنة الذين يخدمون فيه.
  • الكهنوت الجديد: مع مجيء المسيح، أصبح المؤمنون جميعًا كهنة ملوكيين (1 بطرس 2:9). الكهنوت في العهد القديم كان رمزًا لكهنوت المسيح الأبدي.

الآباء والقديسون: رؤى حول الشريعة والنعمة

الآباء والقديسون قدموا تفسيرات عميقة حول العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد. إليكم بعض الاقتباسات:

  • القديس إيريناوس: “Omnis Scriptura, quae nobis tradita est a Deo, utilis est ad doctrinam.” (كل الكتابات التي سلمها لنا الله نافعة للتعليم). القديس إيريناوس يؤكد على وحدة الكتاب المقدس وأهميته في التعليم الروحي.
  • القديس أثناسيوس الرسولي: “For the Holy Scriptures are sufficient above all things for our instruction.” (فإن الكتب المقدسة كافية فوق كل شيء لتعليمنا). القديس أثناسيوس يشدد على أن الكتاب المقدس هو المصدر الأساسي للمعرفة الروحية.
  • القديس كيرلس الإسكندري: شرح القديس كيرلس باستفاضة كيف أن الرموز والظلال في العهد القديم قد تحققت في العهد الجديد، وأن المسيح هو تمام الناموس والأنبياء.

العهد الجديد: تحقيق الناموس في المسيح

العهد الجديد يوضح أن المسيح لم يأتِ لينقض الناموس، بل ليكمله (متى 5:17). كيف ذلك؟

  • المسيح هو الذبيحة الكاملة: بموته على الصليب، قدم المسيح الذبيحة الكاملة التي تكفر عن خطايا العالم (عبرانيين 9:12). لم تعد هناك حاجة إلى التضحيات الحيوانية.
  • النعمة بدلًا من الشريعة: “لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا.” (يوحنا 1:17 Smith & Van Dyke) النعمة لا تلغي الشريعة، بل تتجاوزها، فهي قوة الله العاملة فينا لكي نطيع وصاياه.
  • الكهنوت الأبدي: المسيح هو الكاهن الأعظم الذي يشفع فينا إلى الأبد (عبرانيين 7:24). كهنوت العهد القديم كان رمزًا لكهنوت المسيح.

❓FAQ

  • سؤال: هل يعني هذا أننا لا نأخذ الشريعة الموسوية على محمل الجد؟ جواب: بالطبع لا. الشريعة الموسوية جزء لا يتجزأ من الكتاب المقدس، وهي تكشف لنا عن طبيعة الله المقدسة وعن خطورة الخطية. لكننا نفهمها في ضوء العهد الجديد، ونرى كيف أنها تشير إلى المسيح.
  • سؤال: لماذا تبدو بعض شرائع حزقيال مختلفة جدًا عن شرائع موسى؟ جواب: سفر حزقيال كتب في فترة تاريخية مختلفة، وكان يهدف إلى تذكير الشعب بقداسة الله وضرورة التوبة. قد تكون بعض الشرائع أكثر رمزية أو تهدف إلى التأكيد على جوانب معينة من الشريعة.
  • سؤال: كيف يمكننا تطبيق هذه المفاهيم في حياتنا اليومية؟ جواب: من خلال السعي إلى معرفة المسيح وعيش حياة القداسة. هذا يعني الالتزام بوصايا الإنجيل، والمواظبة على الصلاة والأسرار، والسعي إلى خدمة الآخرين.

الخلاصة

إن فهم **التناقض بين شرائع حزقيال وشرائع موسى – لماذا يُسمح للكهنة أحيانًا بما لم يُسمح به في الناموس؟** يتطلب نظرة متعمقة إلى الكتاب المقدس، مع الأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والثقافي والكتابات الآبائية. ما يبدو تناقضًا هو في الواقع تطور في الفهم والتطبيق للشريعة، وصولًا إلى الكمال في المسيح. يجب أن نسعى إلى فهم الشريعة في ضوء النعمة، وأن نعيش حياة القداسة التي دعانا إليها المسيح. دعونا نتذكر أننا كهنة ملوكيون في المسيح يسوع، مدعوون لنكرس حياتنا لخدمة الله ومحبة الآخرين.

Tags

الكتاب المقدس, حزقيال, موسى, الشريعة, الكهنوت, التضحيات, العهد القديم, العهد الجديد, الآباء, الأرثوذكسية

Meta Description

استكشف **التناقض بين شرائع حزقيال وشرائع موسى** من منظور أرثوذكسي. فهم أعمق للشريعة، الكهنوت، وكيف تغيرت مع المسيح.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *