لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟ استكشاف عمق مزموري 88 و 99 في التقليد القبطي
ملخص تنفيذي
إن سؤال “لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟” هو صرخة روحية مدوية عبر الأجيال، تتجسد بقوة في مزمور 88. هذا البحث العميق يستكشف هذا التساؤل المحوري من منظور التقليد القبطي الأرثوذكسي، مقارنًا بين اليأس العميق في مزمور 88 والفرح المجيد في مزمور 99. سنغوص في خلفية هذه المزامير، ونحلل سياقاتها التاريخية والروحية، ونستكشف رؤى آباء الكنيسة الأوائل. هدفنا ليس فقط فهم هذه النصوص الكتابية، بل أيضًا استخلاص دروس عملية لحياتنا الروحية اليومية. نتناول مسألة اختبارنا لابتعاد الله، وفهم سلطان الله المطلق. نختم بتقديم رؤى عملية حول كيفية التعامل مع لحظات الظلام الروحي والإيمان بثبات بوعد حضوره الدائم.
إنَّ الشعور ببعد الله، حتى في أحلك لحظاتنا، هو تجربة إنسانية مشتركة. دعونا نستكشف هذا التناقض الظاهر بين بعد الله الظاهر وحضوره الدائم، مسترشدين بحكمة الكتاب المقدس والتقليد القبطي.
مقدمة
إن الكتاب المقدس، بثرائه وعمقه، يقدم لنا صوراً متنوعة للعلاقة بين الإنسان والله. نجد في بعض الأحيان ترنيمات للفرح والتسبيح، بينما في أحيان أخرى نجد صرخات يأس وألم. هذا التباين الظاهر يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الله وعلاقتنا به. من بين هذه التساؤلات سؤال “لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟” الذي نطرحه اليوم، والذي يتردد صداه في مزمور 88، بينما نجد مزمور 99 يفيض بمجد الله وحضوره. كيف نفهم هذا التناقض الظاهر؟
الخلفية التاريخية والسياق الروحي لمزموري 88 و 99
لفهم التباين بين المزمورين، يجب أن نأخذ في الاعتبار خلفيتهما التاريخية والروحية:
- مزمور 88: صرخة في الظلام
هو مزمور فردي يتسم باليأس العميق والشكوى المريرة. يُعتقد أنه كُتب في وقت عصيب للغاية في حياة كاتب المزمور، ربما أثناء المرض الشديد أو الاضطهاد القاسي. يعكس المزمور شعورًا بالوحدة والتخلي، حيث يشعر كاتب المزمور أن الله قد تركه وحيدًا في مواجهة معاناته.
- مزمور 99: ترنيمة للمجد
هو مزمور ملكي يركز على مجد الله وسيادته على كل الخليقة. يصف المزمور الله بأنه ملك عظيم، قاض عادل، وقدوس. يدعو المزمور إلى التسبيح والعبادة، ويؤكد على أهمية طاعة وصايا الله.
إن التباين بين المزمورين يوضح أن الكتاب المقدس لا يقدم لنا صورة وردية فقط عن العلاقة مع الله. بل يعترف بالصعوبات والتحديات التي قد نواجهها في حياتنا الروحية. يعترف الكتاب المقدس بأننا قد نختبر لحظات من الشك واليأس والشعور ببعد الله.
تحليل لاهوتي لمزمور 88: اختبار البعد الإلهي
يصور مزمور 88 تجربة قاسية لابتعاد الله الظاهري. لنتأمل بعض الآيات:
مزمور 88:14 (Smith & Van Dyke): “لِمَاذَا يَا رَبُّ تَرْفُضُ نَفْسِي؟ لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟”
هذه الآية تعكس صرخة من قلب يائس يتساءل عن سبب تخلي الله الظاهري. يرى كاتب المزمور أن الله قد حجَب وجهه عنه، مما يسبب له ألمًا عميقًا. يجب أن نفهم أن هذا ليس بالضرورة تصويرًا حقيقيًا لحالة الله، بل هو تعبير عن المشاعر الإنسانية في لحظة يأس شديد.
مزمور 88:18 (Smith & Van Dyke): “أَبْعَدْتَ عَنِّي الْمُحِبَّ وَالصَّاحِبَ. مَعَارِفِي إِلَى الظُّلْمَةِ.”
هذه الآية تعبر عن شعور بالوحدة والعزلة. يشعر كاتب المزمور أن الله قد أبعد عنه أحباءه وأصدقائه، وأنه قد تُرك وحيدًا في الظلام. هذه الوحدة تزيد من ألمه ويأسه.
إن آباء الكنيسة فهموا هذه الآيات على أنها تعبير عن التجارب الروحية التي قد يمر بها المؤمنون. يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن هذه المزامير تعلمنا أن نصرخ إلى الله حتى في أحلك لحظاتنا، وأن لا نيأس من رحمته ومحبته. يقول القديس أثناسيوس:
Ἀλλὰ καὶ ἐν τοῖς πειρασμοῖς καὶ ἐν ταῖς θλίψεσι μὴ ἀποκάμνωμεν, ἀλλὰ μετὰ πίστεως ἐπικαλούμεθα τὸν Θεόν. (Athanasius, *Ad Serapionem*, 1.28)
الترجمة العربية: “حتى في التجارب والضيقات، لا نيأس، بل ندعو الله بإيمان.”
الترجمة الإنجليزية: “Even in temptations and tribulations, let us not grow weary, but call upon God with faith.”
تحليل لاهوتي لمزمور 99: إعلان مجد الله وحضوره
على النقيض من مزمور 88، يفيض مزمور 99 بإعلان مجد الله وحضوره:
مزمور 99:1 (Smith & Van Dyke): “اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. تَرْتَعِدُ الشُّعُوبُ. الْجَالِسُ عَلَى الْكَرُوبِيمِ تَتَزَلْزَلُ الأَرْضُ.”
هذه الآية تعلن سيادة الله المطلقة على كل الخليقة. تؤكد على أن الله هو الملك الحقيقي، وأن كل الشعوب تخضع لسلطانه. هذه السيادة تمنحنا الرجاء والثقة بأن الله قادر على أن يتدخل في حياتنا وأن يحول الظروف الصعبة إلى خير.
مزمور 99:5 (Smith & Van Dyke): “عَلُّوا الرَّبَّ إِلهَنَا، وَاسْجُدُوا عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ. إِنَّهُ قُدُّوسٌ!”
هذه الآية تدعونا إلى عبادة الله وتسبيحه. تؤكد على قداسة الله وأهمية الاقتراب إليه بتقوى وخشية. إن العبادة تساعدنا على أن نختبر حضور الله في حياتنا وأن نتذكر محبته ورحمته.
يرى القديس كيرلس الكبير أن هذه المزامير تعلمنا أن نرفع قلوبنا إلى الله وأن نسبحه على عظمته وقدرته. يقول القديس كيرلس:
Δεῖ οὖν ἡμᾶς ἀνατείνειν τὸν νοῦν πρὸς τὸν Θεὸν καὶ δοξάζειν αὐτὸν ἐπὶ τῇ μεγαλωσύνῃ καὶ τῇ δυνάμει αὐτοῦ. (Cyril of Alexandria, *Commentary on the Psalms*, Ps. 99)
الترجمة العربية: “إذًا، يجب علينا أن نرفع عقولنا إلى الله وأن نمجده لعظمته وقوته.”
الترجمة الإنجليزية: “Therefore, we must lift up our minds to God and glorify Him for His greatness and power.”
لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟ الأسباب الروحية والنفسية
هناك عدة أسباب قد تجعلنا نشعر ببعد الله:
- الخطية: الخطية تخلق حاجزًا بيننا وبين الله.
- التجارب والضيقات: في أوقات الشدة، قد نشعر أن الله قد تخلى عنا.
- الشك واليأس: الشك واليأس يمكن أن يعميانا عن رؤية حضور الله في حياتنا.
- عدم النمو الروحي: إذا لم نكن نسعى للنمو في علاقتنا مع الله، فقد نشعر بالبعد عنه.
- توقعات غير واقعية: قد نتوقع أن يحل الله مشاكلنا فورًا، وعندما لا يحدث ذلك، نشعر بالإحباط والبعد.
كيف نتعامل مع الشعور ببعد الله: خطوات عملية
عندما نشعر ببعد الله، هناك خطوات عملية يمكننا اتخاذها:
- الصلاة: استمر في الصلاة، حتى لو لم تشعر بوجود الله.
- قراءة الكتاب المقدس: الكتاب المقدس يكشف لنا عن طبيعة الله ومحبته.
- الشركة مع المؤمنين: تحدث مع المؤمنين الآخرين وشاركهم مشاعرك.
- خدمة الآخرين: خدمة الآخرين تساعدنا على أن نركز على احتياجاتهم بدلًا من احتياجاتنا.
- التوبة: اعترف بخطاياك واطلب المغفرة من الله.
- الانتظار: ثق بأن الله يعمل في حياتك حتى لو لم تره.
FAQ ❓
س: هل يعني الشعور ببعد الله أن الله قد تخلى عني حقًا؟
ج: لا، الشعور ببعد الله لا يعني بالضرورة أن الله قد تخلى عنك. قد يكون هذا الشعور نتيجة للظروف الصعبة التي تمر بها، أو نتيجة للخطية، أو نتيجة للشك واليأس. الله دائمًا حاضر، حتى لو لم نشعر بذلك.
س: ماذا أفعل إذا كنت أصلي ولم أشعر باستجابة من الله؟
ج: استمر في الصلاة. الصلاة ليست مجرد وسيلة للحصول على ما نريد، بل هي وسيلة للاتصال بالله. حتى لو لم تشعر باستجابة فورية، استمر في الصلاة بثقة وإيمان.
س: كيف أعرف أن الله يسمع صلاتي؟
ج: الله يسمع صلاتك. قد لا تستجيب صلاتك بالطريقة التي تتوقعها، ولكن الله دائمًا يستجيب وفقًا لمشيئته وحكمته. ثق بأن الله يعمل في حياتك حتى لو لم تفهم لماذا تحدث الأمور بالطريقة التي تحدث بها.
س: كيف يمكنني أن أقترب من الله مرة أخرى إذا كنت أشعر بالبعد عنه؟
ج: اقترب إلى الله من خلال الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والشركة مع المؤمنين. توب عن خطاياك واطلب المغفرة من الله. ثق بأن الله يحبك ويريد أن يكون قريبًا منك.
الخلاصة
إنَّ سؤال “لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟” يمثل تحديًا روحيًا حقيقيًا. من خلال استكشاف مزموري 88 و 99، نرى أن الكتاب المقدس يعترف بالتجارب الصعبة التي قد نواجهها في علاقتنا مع الله. مزمور 88 يصور الألم واليأس، بينما مزمور 99 يفيض بالمجد والعبادة. إن فهم هذا التباين يساعدنا على أن نكون صادقين مع مشاعرنا وأن نصرخ إلى الله حتى في أحلك لحظاتنا. تذكر، حتى في لحظات الظلام، وعد الله بالحضور الدائم يبقى ثابتًا. التركيز على سلطان الله المطلق يمنحنا الرجاء حتى في أصعب التجارب. فليكن هذا الاستكشاف دافعًا لنا للنمو الروحي وزيادة إيماننا. إنَّ البحث عن الله وسط البعد الظاهري هو جوهر الإيمان المسيحي.
Tags
الله, البعد الإلهي, مزمور 88, مزمور 99, التقليد القبطي, الصلاة, التجارب, الضيقات, اليأس, الإيمان
Meta Description
لماذا يبدو الله بعيدًا أحيانًا؟ استكشاف لاهوتي عميق لمزموري 88 و 99 من منظور التقليد القبطي الأرثوذكسي، يقدم رؤى عملية للتعامل مع الشعور ببعد الله. اكتشف الآن!