الجمع بين رحمة الله وانتقامه: دراسة في مزامير 62 و65
مقدمة موجزة
كيف يمكننا فهم الجمع بين صفتي الرحمة والانتقام في الله، كما يظهر في مزامير مثل 62 و 65؟ هذا السؤال المحوري يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الله وعلاقته بخليقته. تتناول هذه المقالة هذا التساؤل من منظور أرثوذكسي قبطي، مستنيرة بالكتاب المقدس بأكمله، بما في ذلك الأسفار القانونية الثانية، وبتعاليم آباء الكنيسة، وتقدم رؤى عملية لحياتنا اليومية. إن فهم الجمع بين رحمة الله وانتقامه ليس مجرد تمرين لاهوتي، بل هو أساس لعلاقة صحية وحقيقية مع الله.
إن مفهوم الرحمة والانتقام الإلهيين غالبًا ما يبدو متناقضًا. كيف يمكن للإله الرحيم أن يكون أيضًا منتقمًا؟ هذه المقالة سوف تستكشف هذا السؤال، مع التركيز على مزامير 62 و 65، لتقديم فهم متوازن ومتكامل لطبيعة الله. سنعتمد على الكتاب المقدس، بما في ذلك الأسفار القانونية الثانية، وتعاليم آباء الكنيسة الأرثوذكس.
رحمة الله في الكتاب المقدس
الرحمة صفة أساسية في الله، كما يتضح في جميع أنحاء الكتاب المقدس. إنه قلب طبيعة الله ومحور تعامله مع البشرية. من خلق آدم وحواء إلى إرسال ابنه الوحيد يسوع المسيح لخلاصنا، تتجلى رحمة الله باستمرار.
- المزامير: “الرَّبُّ رَحِيمٌ وَحَنَّانٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.” (مزمور 103:8 Smith & Van Dyke) 📖
- العهد الجديد: “اَللهُ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، فَبِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، إِذْ كُنَّا أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا، أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ.” (أفسس 2:4-5 Smith & Van Dyke)🕊️
- الأسفار القانونية الثانية: “لأَنَّ الرَّبَّ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، يَغْفِرُ الْخَطَايَا وَيُنَجِّي فِي يَوْمِ الضِّيقَةِ.” (يشوع بن سيراخ 2:11)
ويقول القديس أغسطينوس: “Deus, qui creavit te sine te, non salvabit te sine te.” (الله الذي خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك). هذه المقولة تؤكد على أهمية استجابتنا لرحمة الله.
انتقام الله في الكتاب المقدس
في حين أن الرحمة جزء لا يتجزأ من طبيعة الله، فإن الانتقام هو أيضًا جانب مهم من عدالته. إنه ليس انتقامًا بشريًا مدفوعًا بالغضب والغيرة، بل هو استعادة للعدالة والنظام في الكون.
- المزامير: “اَللَّهُمَّ انْتَقِمْ، يَا رَبَّ الْعُقُوبَاتِ، يَا اَللَّهُمَّ انْتَقِمْ، أَظْهِرْ نَفْسَكَ.” (مزمور 94:1 Smith & Van Dyke)
- العهد القديم: “لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاءُ.” (تثنية 32:35 Smith & Van Dyke)
- الرؤيا: “لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمِ! وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَثْبُتَ؟” (رؤيا 6:17 Smith & Van Dyke)
يشرح القديس كيرلس الأسكندري أن انتقام الله هو في الواقع شكل من أشكال الرحمة، لأنه يهدف إلى تصحيح الظلم وإعادة الأمور إلى نصابها. (Original Greek: Τιμωρία δὲ παρὰ τοῦ Θεοῦ φιλανθρωπία τις ἐστί, παιδεύουσα πρὸς τὸ λυσιτελοῦν. Translation: Punishment from God is a kind of philanthropy, educating towards what is beneficial. Arabic: العقاب من الله هو نوع من المحبة، يهدف إلى التعليم والإصلاح.)
مزمور 62: ملجأ في الله
مزمور 62 هو صرخة ثقة في الله كملجأ وحيد. إنه يعكس إيمانًا راسخًا بقدرة الله على حماية المؤمن من أعدائه. في هذا السياق، يظهر الانتقام الإلهي كضمان بأن الله سيحكم بالعدل ويحمي شعبه.
- “مِنَ اللهِ خَلاَصِي وَمَجْدِي. صَخْرَةُ قُوَّتِي هِيَ. مُحْتَمَايَ فِي اللهِ.” (مزمور 62:7 Smith & Van Dyke)
- الثقة في الله تعني الاعتراف بسيادته وعدله المطلق.
- الانتقام الإلهي هنا هو وعد بحماية المؤمن من الظلم.
- المزمور يدعونا إلى التمسك بالله في وجه الشدائد، عالمين بأنه ملجأنا الحقيقي.
مزمور 65: تسبيح لخالق الكون
مزمور 65 هو ترنيمة شكر لله على خيراته وبركاته. إنه يصف قدرة الله على التحكم في الطبيعة وإخصاب الأرض. هنا، يظهر الانتقام الإلهي كجزء من النظام الإلهي الذي يحافظ على التوازن والعدالة في الخليقة.
- “أَمِينَةٌ هِيَ كَلِمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. الْقُدْسُ يَلِيقُ بِبَيْتِكَ يَا رَبُّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ.” (مزمور 65:5 Smith & Van Dyke)
- بركات الله هي دليل على رحمته وعنايته بخليقته.
- الانتقام الإلهي هو جزء من النظام الإلهي الذي يحافظ على التوازن والعدالة.
- المزمور يدعونا إلى الشكر والتسبيح الدائم لله على خيراته.
الجمع بين الرحمة والانتقام في حياة المؤمن
إن فهم الجمع بين رحمة الله وانتقامه أمر ضروري لحياة المؤمن. إنه يساعدنا على فهم طبيعة الله بشكل كامل ومتوازن، ويؤثر على نظرتنا للعالم وتعاملنا مع الآخرين.
- التوبة: معرفة رحمة الله تدفعنا إلى التوبة والرجوع إليه.
- المغفرة: اختبار رحمة الله تعلمنا أن نغفر للآخرين.
- العدالة: إدراك انتقام الله يدفعنا إلى السعي إلى العدالة ومحاربة الظلم.
- الثقة: الثقة في عدل الله تعزينا في أوقات الشدة.
FAQ ❓
س: كيف يمكنني التوفيق بين فكرة الله المحب والله المنتقم؟
ج: يمكننا التوفيق بينهما بفهم أن انتقام الله ليس انتقامًا شخصيًا، بل هو استعادة للعدالة والنظام. إنه تعبير عن محبة الله وحرصه على حماية شعبه وخليقته من الظلم.
س: هل الانتقام يتعارض مع المغفرة؟
ج: لا، الانتقام الإلهي لا يتعارض مع المغفرة. فالله يغفر للتائبين، لكنه في الوقت نفسه يؤكد على ضرورة العدالة. المغفرة هي عطية من الله، أما العدالة فهي ضرورة للحفاظ على النظام في الكون.
س: كيف يمكنني تطبيق هذا الفهم في حياتي اليومية؟
ج: يمكنك تطبيق هذا الفهم من خلال السعي إلى العدالة في حياتك، ومغفرة المسيئين إليك، والثقة في عدل الله في جميع الظروف. تذكر أن الله هو ملجأك وقوتك، وهو قادر على حمايتك من كل شر.
الخلاصة
إن فهم الجمع بين رحمة الله وانتقامه يقدم لنا صورة متكاملة عن طبيعة الله. إنه ليس مجرد إله رحيم فحسب، بل هو أيضًا إله عادل، يسعى إلى استعادة النظام والعدالة في الكون. هذه المعرفة تدعونا إلى التوبة والرجوع إلى الله، ومغفرة الآخرين، والسعي إلى العدالة، والثقة في حمايته في جميع الظروف. فلنسعَ دائمًا إلى معرفة الله بشكل أعمق وأشمل، لكي نعيش حياة ترضيه وتمجده.
Tags
الله, الرحمة, الانتقام, مزامير, الأرثوذكسية, قبطية, آباء الكنيسة, الكتاب المقدس, العدالة, الإيمان
Meta Description
استكشاف لاهوتي أرثوذكسي قبطي للعلاقة بين رحمة الله وانتقامه، استنادًا إلى مزامير 62 و65 وتفسيرات آباء الكنيسة. فهم طبيعة الله وتطبيقاتها العملية لحياتنا.