هل عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) تتفق مع روح الإنجيل؟ تحليل لاهوتي أرثوذكسي
ملخص تنفيذي
عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) تثير تساؤلات حول مدى توافقها مع روح المحبة والغفران التي نادى بها الإنجيل. هذا البحث اللاهوتي الأرثوذكسي العميق يهدف إلى فحص هذه العبارة في سياقها الكتابي والتاريخي والروحي، مع الأخذ في الاعتبار تعاليم الآباء الأولين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. سنستكشف كيف يمكن فهم هذه الدعوات إلى الخزي والخجل ليس كتعابير عن الحقد أو الانتقام الشخصي، بل كصرخات من أجل العدالة الإلهية وكشف الشر، مما يساهم في خلاص الأشرار أنفسهم. نهدف إلى توضيح أن هذه الدعوات، عند فهمها بشكل صحيح، لا تتعارض مع جوهر الإنجيل، بل تعكس بعدًا مهمًا من جوانب محبة الله العادلة والقادرة على خلاص الجميع. من خلال هذا التحليل، نأمل أن نصل إلى فهم أعمق لعدالة الله ورحمته، وكيف يمكن أن يتجليا معًا في حياة المؤمن.
عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) غالبًا ما تثير تساؤلات حول توافقها مع روح المحبة والتسامح التي نادى بها الإنجيل. هل يمكن للمسيحي أن يدعو على أعدائه بالخزي والخجل؟ هذا البحث يسعى للإجابة على هذا السؤال من خلال منظور أرثوذكسي قبطي، مع الأخذ في الاعتبار السياق الكتابي والتاريخي والروحي لهذا التعبير.
السياق الكتابي لمزمور 40: 14 ✨📖
لفهم عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) بشكل صحيح، يجب أولاً أن ننظر إلى السياق الأوسع للمزمور 40 بأكمله. هذا المزمور هو صلاة ابتهال وطلب نجدة من الله. دعونا نقرأ الآية:
مزمور 40: 14 (Smith & Van Dyke): “ليَخْزَ وَيَخْجَلْ مَعًا ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيُهْلِكُوهَا. لِيَرْتَدَّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَيَخْجَلْ ٱلَّذِينَ يُسَرُّونَ بِأَذِيَّتِي.”
نلاحظ أن هذا ليس مجرد دعوة شخصية بالانتقام، بل هو طلب للعدالة الإلهية. المرنم لا يسعى إلى الانتقام لذاته، بل يطلب من الله أن يكشف الشر ويوقف الأشرار الذين يسعون لإهلاكه.
- طلب العدالة لا الانتقام: المزمور يعبر عن ثقة المرنم في عدالة الله وقدرته على التدخل لحماية الأبرار ومعاقبة الأشرار.
- السياق التاريخي: في زمن كتابة المزامير، كانت الدعوة إلى الله للانتقام من الأعداء تعتبر جزءًا من التعبير عن الإيمان بقدرة الله على حماية شعبه.
- الرؤية الشاملة: يجب فهم هذه الدعوات في ضوء الوحي الكتابي الكامل، الذي يؤكد على محبة الله ورحمته وعدالته في آن واحد.
تعاليم الآباء حول العدالة والغضب المقدس 📜🕊️
آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مثل القديس أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير، يقدمون لنا رؤى عميقة حول كيفية فهم هذه الدعوات في الكتاب المقدس. إنهم يؤكدون على أن غضب الله ليس غضبًا بشريًا ناتجًا عن الانفعال، بل هو تعبير عن عدالته المقدسة تجاه الشر والظلم.
القديس أثناسيوس الرسولي: “Οὐ γὰρ ὡς ἄνθρωπος ὀργίζεται ὁ Θεός, ἀλλὰ δικαιοκρισίᾳ κολάζει.” (PG 25: 56). ترجمة: “الله لا يغضب كإنسان، بل بعدل يدين ويكافئ.” (Athanasius, *Contra Gentes*, PG 25:56) العربية: “ليس الله يغضب كإنسان، بل بعدل يحكم ويعاقب.”
القديس كيرلس الكبير: “Ἔστι γὰρ ὀργὴ Θεοῦ οὐ πάθος, ἀλλὰ βούλημα τιμωρητικόν.” (PG 69: 124). ترجمة: “غضب الله ليس انفعالًا، بل إرادة عقابية.” (Cyril of Alexandria, *Commentary on Isaiah*, PG 69:124) العربية: “غضب الله ليس انفعالاً، بل إرادة قاصدة للعقاب.”
- العدالة الإلهية: الغضب الإلهي هو تعبير عن عدالة الله وحبه للحق، وهو ضروري للحفاظ على النظام الأخلاقي في الكون.
- الغضب المقدس: الغضب المقدس هو رد فعل على الشر والظلم، وهو يختلف عن الغضب البشري الذي غالبًا ما يكون ناتجًا عن الأنانية والتحيز.
- الهدف من العقاب: الهدف من العقاب الإلهي ليس الانتقام، بل إصلاح المذنب وحماية المجتمع من الشر.
كيف نفهم “الخزي والخجل” في ضوء الإنجيل؟ ✨💡
الإنجيل يعلمنا أن نحب أعداءنا ونصلي من أجل الذين يسيئون إلينا. فكيف يمكن لنا أن نُوَفِّق بين هذه التعاليم ودعوات الخزي والخجل في المزامير؟ الجواب يكمن في فهم أن هذه الدعوات ليست تعبيرًا عن الكراهية الشخصية، بل هي صرخة من أجل العدالة الإلهية وكشف الشر.
المحبة والعدالة: المحبة الحقيقية لا تتعارض مع العدالة، بل تتطلبها. فمحبة الله للعالم هي التي دفعته إلى إرسال ابنه ليخلصنا من الخطيئة والموت، ولكنها أيضًا التي ستدينه في اليوم الأخير.
هدف الخلاص: الخزي والخجل اللذين نصلي من أجلهما للأشرار ليسا هدفًا نهائيًا، بل وسيلة لإيقاظ ضمائرهم ودفعهم إلى التوبة والرجوع إلى الله. فالخزي الحقيقي هو الذي يقود إلى التوبة، كما حدث مع بطرس الرسول بعد إنكاره للمسيح.
- ليست كراهية شخصية: الدعوة إلى الخزي والخجل ليست تعبيرًا عن الكراهية الشخصية، بل عن الرغبة في رؤية العدالة تتحقق.
- دعوة للتوبة: الهدف من هذه الدعوات هو دفع الأشرار إلى التوبة والرجوع إلى الله، وليس مجرد معاقبتهم.
- المحبة تتجلى في العدالة: المحبة الحقيقية تتجلى في السعي لتحقيق العدالة، حتى لو كان ذلك يعني أن الأشرار سيخزون ويخجلون من أفعالهم.
هل تتعارض هذه الدعوات مع روح التسامح؟
إن التسامح المسيحي لا يعني التغاضي عن الشر أو الاستسلام له. التسامح الحقيقي يتطلب الاعتراف بالخطأ والسعي لإصلاحه. الدعوة إلى الخزي والخجل يمكن أن تكون جزءًا من هذه العملية، إذا كانت تهدف إلى دفع المذنب إلى الاعتراف بخطئه والتوبة عنه.
- التسامح لا يعني الاستسلام: التسامح المسيحي لا يعني الاستسلام للشر أو التغاضي عنه، بل يتطلب مواجهته والسعي لإصلاحه.
- الاعتراف بالخطأ: الدعوة إلى الخزي والخجل يمكن أن تساعد المذنب على الاعتراف بخطئه والتوبة عنه.
- الرجاء في الخلاص: حتى عندما نصلي من أجل خزي الأشرار، يجب أن نحافظ على الرجاء في خلاصهم، وأن نصلي من أجل أن يقودهم الخزي إلى التوبة.
FAQ ❓
س: هل يجوز للمسيحي أن يدعو على أعدائه بالخزي والخجل؟
ج: يجوز للمسيحي أن يصلي من أجل أن يكشف الله الشر ويوقف الأشرار، ولكن يجب أن يكون ذلك بدافع المحبة والعدالة، وليس بدافع الكراهية والانتقام. الهدف يجب أن يكون خلاص الأشرار، وليس مجرد معاقبتهم.
س: كيف يمكنني أن أوفق بين الدعوة إلى الخزي والخجل وتعليم الإنجيل بمحبة الأعداء؟
ج: يمكن التوفيق بينهما بفهم أن المحبة الحقيقية تتطلب العدالة، وأن الدعوة إلى الخزي والخجل يمكن أن تكون وسيلة لدفع الأشرار إلى التوبة والرجوع إلى الله. يجب أن نصلي من أجل خلاصهم، حتى عندما نصلي من أجل أن يخزوا ويخجلوا من أفعالهم.
س: ما هو الموقف الأرثوذكسي من الغضب؟
ج: الغضب البشري غالبًا ما يكون ناتجًا عن الأنانية والتحيز، وهو خطيئة. ولكن الغضب المقدس هو رد فعل على الشر والظلم، وهو تعبير عن محبة الله للحق. يجب أن نسعى إلى أن نكون غاضبين بشكل مقدس، أي أن نغضب على الشر ونسعى لإصلاحه بدافع المحبة والعدالة.
الخلاصة
عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) لا تتعارض مع روح الإنجيل، بل تعكس بعدًا مهمًا من جوانب محبة الله العادلة والقادرة على خلاص الجميع. يجب أن نفهم هذه الدعوات في سياقها الكتابي والتاريخي والروحي، وأن ندرك أنها ليست تعبيرًا عن الكراهية الشخصية، بل صرخة من أجل العدالة الإلهية وكشف الشر. المحبة الحقيقية تتطلب العدالة، والدعوة إلى الخزي والخجل يمكن أن تكون وسيلة لدفع الأشرار إلى التوبة والرجوع إلى الله. فلنصلِ من أجل أن يمتلئ قلبنا بالمحبة والرحمة، وأن نسعى لتحقيق العدالة في عالمنا، راجين خلاص الجميع، حتى الأشرار منهم. دعونا نلتزم بتعاليم الإنجيل ونحب أعداءنا ونسعى لخلاصهم، مع التمسك في الوقت نفسه بالحق والعدالة، طالبين من الله أن يهدي الجميع إلى طريق الخلاص.
Tags
مزمور, عدالة, غضب, انجيل, خلاص, محبة, تسامح, ارثوذكسية, لاهوت, آباء الكنيسة
Meta Description
هل عبارة “ليخز وليخجل” (مزمور 40: 14) تتفق مع روح الإنجيل؟ تحليل لاهوتي أرثوذكسي قبطي عميق يكشف كيف تتكامل العدالة والمحبة في الكتاب المقدس.