لماذا لا تقبل الطوائف البروتستانتية سفر طوبيا؟ نظرة أرثوذكسية

ملخص تنفيذي

سفر طوبيا، قطعة أدبية رائعة زاخرة بالدروس الروحية والفضائل، هو جزء لا يتجزأ من الكتاب المقدس لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الأخرى، وكذلك الكنيسة الكاثوليكية. ومع ذلك، غالبًا ما يُستبعد هذا السفر المؤثر من النسخ البروتستانتية للكتاب المقدس. لماذا؟ لماذا لا تقبل الطوائف البروتستانتية سفر طوبيا؟ يهدف هذا المقال إلى استكشاف الأسباب التاريخية واللاهوتية وراء هذا الاستبعاد، مع تقديم منظور أرثوذكسي قوي يدافع عن أهمية هذا السفر ومكانته في الوحي الإلهي. سنستعرض حجج البروتستانت، وندحضها بنصوص الكتاب المقدس، وآراء الآباء، والتقليد الكنسي، مع تسليط الضوء على الغنى الروحي والكنسي الذي يوفره سفر طوبيا. سنختتم بتأملات حول الدروس العملية التي يمكننا استخلاصها من هذا السفر لحياتنا اليومية. السفر يدعونا إلى الإيمان، والرحمة، والصلاة، والالتزام بتقاليد آبائنا.

مقدمة:

الكتاب المقدس هو مرشدنا ومصدرنا الأساسي للمعرفة الروحية. لكن هل كل ما يعتبره البعض “الكتاب المقدس” كاملاً؟ بالنسبة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الإجابة هي نعم بكل ثقة. إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين النسخ المختلفة للكتاب المقدس، خاصة فيما يتعلق بالأسفار القانونية الثانية. أحد هذه الأسفار هو سفر طوبيا، الذي نعتبره وحيًا إلهيًا، بينما ترفضه العديد من الطوائف البروتستانتية. السؤال إذن: لماذا لا تقبل الطوائف البروتستانتية سفر طوبيا؟ وما هي حججهم؟ وكيف نرد عليها من منظور أرثوذكسي؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.

الأسباب التاريخية لاستبعاد سفر طوبيا

الخلاف حول قانونية سفر طوبيا ليس جديدًا. يعود جذوره إلى عصر الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، حينما بدأ المصلحون بإعادة تقييم قانونية أسفار العهد القديم بناءً على معايير جديدة.

  • اللغة الأصلية: أحد الاعتراضات الرئيسية هو أن سفر طوبيا لم يوجد أبدًا باللغة العبرية، اللغة الأصلية لمعظم أسفار العهد القديم. ومع ذلك، هذا ليس دقيقًا تمامًا. اكتشفت أجزاء عبرية من سفر طوبيا في مخطوطات قمران، مما يشير إلى أن السفر ربما كان موجودًا في الأصل باللغة العبرية أو الآرامية. وحتى لو كان الأصل يونانيًا (وهو الاحتمال الأكبر)، فإن هذا لا يقلل من قيمته الروحية والتعليمية.
  • عدم وجوده في القانون اليهودي: يجادل البعض بأن سفر طوبيا لم يكن جزءًا من القانون اليهودي في زمن المسيح، وبالتالي لا ينبغي أن يكون جزءًا من الكتاب المقدس المسيحي. ومع ذلك، هذا أيضًا غير دقيق. كان هناك جدل بين اليهود أنفسهم حول قانونية بعض الأسفار، بما في ذلك سفر نشيد الأنشاد وسفر الجامعة. بالإضافة إلى ذلك، الكنيسة المسيحية لم تعتمد بشكل حصري على القانون اليهودي في تحديد قانونية أسفار العهد القديم، بل استندت أيضًا إلى الترجمة السبعينية، وهي الترجمة اليونانية للعهد القديم التي كانت مستخدمة على نطاق واسع في زمن المسيح والرسل.
  • اعتبارات لاهوتية: أثار بعض المصلحين اعتراضات لاهوتية على سفر طوبيا، زاعمين أنه يعلم أعمال البر كطريق للخلاص، وهو ما يتعارض مع عقيدة “الخلاص بالإيمان وحده”. ومع ذلك، هذا تفسير خاطئ لسفر طوبيا. السفر لا يعلم أن أعمال البر تخلص الإنسان، بل يعلم أنها نتيجة للإيمان الحي العامل بالمحبة (غلاطية 5: 6). طوبيا كان رجلاً بارًا ومؤمنًا بالله، وأعماله الصالحة كانت تعبيرًا عن إيمانه العميق.

تأملات أرثوذكسية:

  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عبر تاريخها الممتد، حافظت على سفر طوبيا كجزء لا يتجزأ من الكتاب المقدس.
  • نحن نؤمن بأن الوحي الإلهي لا يقتصر على اللغة العبرية فقط، بل يشمل أيضًا الترجمة السبعينية، التي كانت مستخدمة على نطاق واسع في زمن المسيح والرسل.
  • نحن نؤمن بأن الإيمان والأعمال الصالحة يسيران جنبًا إلى جنب، وأن أعمال البر هي ثمرة حتمية للإيمان الحقيقي.

شهادة الآباء لسفر طوبيا

آباء الكنيسة، هم الشهود الأمناء للتقليد الرسولي، يشهدون بقيمة وأهمية سفر طوبيا. لقد اقتبسوا منه، وأشاروا إليه، واعتبروه جزءًا من الكتاب المقدس.

أمثلة من أقوال الآباء:

  • القديس إيريناوس أسقف ليون (القرن الثاني): أشار إلى سفر طوبيا كجزء من الكتاب المقدس في كتابه “ضد الهرطقات”.
  • القديس أثناسيوس الرسولي (القرن الرابع): ذكر سفر طوبيا في رسالته الفصحية، معتبرًا إياه سفرًا نافعًا للقراءة والتعليم.
  • القديس أوغسطينوس (القرن الرابع/الخامس): دافع عن قانونية سفر طوبيا في كتابه “مدينة الله”.

شهادات آباء آخرين:

هناك العديد من الآباء الآخرين الذين أشاروا إلى سفر طوبيا، مثل القديس أمبروسيوس، والقديس يوحنا ذهبي الفم، والقديس كيرلس الأورشليمي. هذه الشهادات تؤكد أن سفر طوبيا كان جزءًا من الكتاب المقدس المسيحي منذ العصور الأولى للكنيسة.

اقتباسات من أقوال الآباء باللغة الأصلية مع الترجمة:

  • القديس إيريناوس: (لاتينية): *“Scriptura enim dicit…”* (ضد الهرطقات، الكتاب الرابع). (الإنجليزية: “For the Scripture says…”). (العربية: “لأن الكتاب يقول…”). غالبًا ما كان يشير إلى طوبيا كجزء من “الكتاب”.
  • القديس أثناسيوس: (يونانية): Διὰ τοῦτο καὶ τὰ βιβλία ταῦτα ἀναγινώσκεται, οὐχ ὡς τὰ κανονιζόμενα, ἀλλ’ ὡς ἐπ’ ὠφελείᾳ τῶν ἀναγιγνωσκόντων παραδιδόμενα. (الرسالة الفصحية 39). (الإنجليزية: “These books also are read, but they are not placed on the canon, but handed over for the benefit of those reading them.”). (العربية: “هذه الكتب أيضًا تُقرأ، لكنها لا تُوضع في القانون، بل تُسلم لمن يقرأها لمنفعتهم.”). على الرغم من أن أثناسيوس ميزها، إلا أنه أقر بفائدتها.

الرسائل الروحية والتعليمية في سفر طوبيا

سفر طوبيا ليس مجرد قصة تاريخية، بل هو كنز دفين من الرسائل الروحية والتعليمية التي تثري حياتنا الروحية وتوجهنا في مسيرتنا نحو الله.

أهم الدروس المستفادة من سفر طوبيا:

  • الإيمان والتوكل على الله: طوبيا كان رجلاً مؤمنًا بالله، وثق به في كل الظروف، حتى في أصعب الأوقات. علّمنا أن نتوكل على الله في كل شيء، وأن نؤمن بأنه قادر على تحقيق المستحيل.
  • أهمية الصلاة: طوبيا كان يصلي باستمرار، ويلتجئ إلى الله في كل ضيقاته. علمنا أن الصلاة هي سلاح قوي، وأنها توصلنا بالله وتجلب لنا معونته.
  • أعمال الرحمة: طوبيا كان رحيمًا بالفقراء والمحتاجين، وكان يعطيهم من ماله وجهده. علمنا أن أعمال الرحمة ترضي الله، وأنها تجلب لنا بركته.
  • الزواج المقدس: قصة زواج طوبيا ويصالة تعلمنا عن قدسية الزواج وأهمية اختيار شريك الحياة المناسب.
  • تكريم الوالدين: طوبيا كان يكرم والديه ويطيعهما، وكان يعتني بهما في شيخوختهما. علمنا أن تكريم الوالدين هو وصية إلهية، وأنها تجلب لنا البركة في حياتنا.
  • دور الملائكة: ظهور الملاك روفائيل في سفر طوبيا يذكرنا بوجود الملائكة ودورهم في حمايتنا ومساعدتنا.

FAQ ❓

  • س: لماذا يعتبر سفر طوبيا من الأسفار القانونية الثانية؟
    ج: لأنه لم يوجد في النسخة العبرية للكتاب المقدس التي اعتمدها اليهود بعد السبي، لكنه موجود في الترجمة السبعينية اليونانية التي استخدمها المسيحيون الأوائل. الكنيسة الأرثوذكسية قبلته بناءً على التقليد وتسليم الآباء.
  • س: هل يتعارض سفر طوبيا مع عقيدة الخلاص بالنعمة؟
    ج: لا، سفر طوبيا لا يعارض عقيدة الخلاص بالنعمة. بل يؤكد أن أعمال البر هي ثمرة طبيعية للإيمان الحي العامل بالمحبة. فالنعمة تهيئنا للعمل الصالح.
  • س: ما هي أهمية قراءة سفر طوبيا في حياتنا اليومية؟
    ج: سفر طوبيا يلهمنا لنعيش حياة الإيمان والرحمة والصلاة، ويذكرنا بأهمية تكريم الوالدين والزواج المقدس. كما يعلمنا أن الله يسمع صلواتنا ويستجيب لها.
  • س: كيف يمكنني أن أطبق دروس سفر طوبيا في حياتي؟
    ج: من خلال تخصيص وقت للصلاة اليومية، ومساعدة المحتاجين، وتكريم والديك، والسعي للزواج المقدس، والثقة في الله في كل الظروف.

الخلاصة

لماذا لا تقبل الطوائف البروتستانتية سفر طوبيا؟ الإجابة تكمن في عوامل تاريخية ولاهوتية، ولكن من منظور أرثوذكسي، يعتبر سفر طوبيا كنزًا روحيًا لا يقدر بثمن. إنه يذكرنا بقوة الإيمان، وأهمية الصلاة، وضرورة أعمال الرحمة. سفر طوبيا جزء لا يتجزأ من الكتاب المقدس، ويقدم لنا دروسًا قيمة لحياتنا اليومية. دعونا نستلهم من حياة طوبيا ويصالة، ونسعى جاهدين للعيش حياة ترضي الله وتجلب لنا بركته. فلنقرأ هذا السفر بتأمل وصلاة، ولنستخلص منه الدروس التي تغير حياتنا نحو الأفضل، ونقتدي بحياة القداسة التي عاشها طوبيا وعائلته، فنكون نورًا للعالم وملحًا للأرض.

Tags

الكتاب المقدس, سفر طوبيا, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, البروتستانت, الأسفار القانونية الثانية, آباء الكنيسة, الإيمان, الصلاة, الرحمة, الخلاص

Meta Description

لماذا لا تقبل الطوائف البروتستانتية سفر طوبيا؟ استكشف الأسباب التاريخية واللاهوتية من منظور أرثوذكسي، واكتشف الرسائل الروحية والتعليمية القيمة.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *