لماذا بكى الشعب عند سماع الشريعة في سفر نحميا؟ نظرة أرثوذكسية

ملخص تنفيذي

هل كانت الشريعة قاسية لدرجة أنها أبكت الشعب في سفر نحميا؟ ✨ هذا السؤال يثير فضولنا ويدعونا للتأمل في عمق كلمة الله. غالباً ما يُساء فهم البكاء المذكور في سفر نحميا (نحميا 8) على أنه ناتج عن قسوة الشريعة، ولكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. إن البكاء كان تعبيراً عن التوبة الصادقة والإدراك العميق لبُعدهم عن وصايا الله. هذه المقالة تتناول هذا المشهد التاريخي من منظور أرثوذكسي قبطي، مستندة إلى الكتاب المقدس (بما في ذلك الأسفار القانونية الثانية)، وأقوال الآباء، والسياق التاريخي والجغرافي، لنفهم لماذا بكى الشعب وكيف يمكننا تطبيق هذه الدروس الروحية في حياتنا اليومية. لماذا بكى الشعب عند سماع الشريعة في سفر نحميا؟ هو سؤال يستحق التأمل العميق.

عندما نقرأ سفر نحميا، نجد أنفسنا أمام مشهد مؤثر: شعب إسرائيل يعود من السبي ويستمع إلى قراءة الشريعة للمرة الأولى بعد فترة طويلة. فما الذي دفعهم إلى البكاء؟ هل كانت الشريعة قاسية حقًا، أم أن هناك عوامل أخرى أثرت في هذه المشاعر؟

سفر نحميا: سياق تاريخي وجغرافي

لفهم بكاء الشعب، يجب أن نضع أنفسنا في السياق التاريخي والجغرافي لسفر نحميا. كان شعب إسرائيل قد عاد للتو من سبي بابل الذي دام سبعين عامًا. كانت أورشليم في حالة خراب، والهيكل مدمرًا. كان الشعب يعاني من الفقر واليأس. قراءة الشريعة في ذلك الوقت كانت بمثابة تذكير بما فقدوه وبأخطائهم التي أدت إلى السبي.

أورشليم نفسها كانت مدينة محاصرة تاريخياً، ورمزًا لهوية الشعب. العودة إليها كانت بمثابة بداية جديدة، ولكنها كانت بداية محفوفة بالتحديات. وصف الكتاب المقدس، وتحديدًا سفر نحميا، يوضح لنا صعوبة إعادة بناء المدينة والهيكل.

الشريعة ليست قاسية: رسالة محبة ورحمة

من المهم أن ندرك أن الشريعة ليست قاسية في جوهرها. بل هي تعبير عن محبة الله ورحمته. الشريعة تقدم لنا إرشادات واضحة لكيفية عيش حياة ترضي الله. إنها خريطة طريق نحو السعادة والسلام الحقيقيين. لكنَّ الشعب فهم آنذاك بُعدهم عن هذه الخريطة.

📖 سفر التثنية 10: 12-13 (Smith & Van Dyke): “فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ مَاذَا يَطْلُبُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلاَّ أَنْ تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ لِتَسْلُكَ فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَتُحِبَّهُ وَتَعْبُدَ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْفَظَ وَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضَهُ الَّتِي أَنَا آمُرُكَ بِهَا الْيَوْمَ لِخَيْرِكَ؟”

  • الشريعة هي دعوة إلى المحبة والعبادة الحقيقية.
  • الوصايا والفروض هي لخيرنا، وليست عبئًا علينا.
  • الخوف من الله هو بداية الحكمة، وليس الخوف المرعب.

البكاء: تعبير عن التوبة والإدراك العميق

إذن، لماذا بكى الشعب؟ البكاء كان تعبيراً عن التوبة الصادقة والإدراك العميق لبُعدهم عن وصايا الله. لقد أدركوا أنهم أخطأوا وأنهم يستحقون العقاب. البكاء كان بمثابة تطهير للقلب وتعبير عن الندم الحقيقي.

📜 نحميا 8: 9 (Smith & Van Dyke): “وَقَالَ نَحَمْيَا الَّذِي هُوَ التِّرْشَاثَا وَعَزْرَا الْكَاهِنُ الْكَاتِبُ وَاللاَّوِيُّونَ الْمُفَهِّمُونَ الشَّعْبَ: «هَذَا الْيَوْمُ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ. لاَ تَنُوحُوا وَلاَ تَبْكُوا». لأَنَّ الشَّعْبَ كُلَّهُ بَكَى حِينَ سَمِعُوا الشَّرِيعَةَ.”

لاحظ هنا كيف أن نحميا وعزرا طلبا منهم التوقف عن البكاء. ليس لأن البكاء خطأ، بل لأن اليوم كان يوم فرح وابتهاج بالعودة إلى الله.

أقوال الآباء: نظرة روحية عميقة

الآباء الأوائل للكنيسة قدموا لنا تفسيرات عميقة لهذا المشهد. القديس أثناسيوس الرسولي، على سبيل المثال، يؤكد على أهمية التوبة والإقرار بالخطأ. يذكرنا بأن الله رحيم وغفور، ولكنه يتوقع منا أن نكون صادقين في توبتنا.

💡 القديس أثناسيوس الرسولي (باليونانية): “Μετάνοιας γὰρ ὁδός ἐστι δι’ ἐξομολογήσεως ἑαυτὸν καταγνῶναι.” (Athanasius, *Contra Gentes*, 46). (بالإنجليزية: “For the way of repentance is to condemn oneself through confession.”) (بالعربية: “لأن طريق التوبة هو أن يدين الإنسان نفسه بالاعتراف.”)

هذا القول يوضح أن الخطوة الأولى نحو التوبة الحقيقية هي الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية. هذا هو بالضبط ما فعله الشعب في سفر نحميا.

تطبيق عملي لحياتنا اليوم

ماذا يمكننا أن نتعلم من هذه القصة؟ كيف يمكننا تطبيق هذه الدروس الروحية في حياتنا اليومية؟

  • الفحص الذاتي المستمر: يجب علينا أن نفحص أنفسنا باستمرار ونبحث عن أي خطايا أو تقصيرات في حياتنا.
  • التوبة الصادقة: عندما نكتشف خطأ ما، يجب أن نتوب توبة صادقة ونطلب المغفرة من الله.
  • الالتزام بالشريعة: يجب علينا أن نلتزم بوصايا الله ونسعى جاهدين لعيش حياة ترضيه.
  • الفرح بالخلاص: يجب أن نتذكر دائمًا أن الله رحيم وغفور، وأننا يجب أن نفرح بخلاصنا.
  • مشاركة الفرح مع الآخرين: تمامًا كما فعل نحميا وعزرا، يجب علينا أن نشارك الفرح والسلام مع الآخرين.

الأسفار القانونية الثانية: بعد آخر للتوبة

من الجدير بالذكر أن الأسفار القانونية الثانية تقدم لنا رؤى إضافية حول التوبة والمغفرة. على سبيل المثال، سفر طوبيا يؤكد على أهمية الصدقة والأعمال الصالحة كجزء من عملية التوبة.

في سفر باروخ (باروخ 1: 15-18)، نجد اعترافًا جماعيًا بخطايا الشعب، مشابهًا للموقف في سفر نحميا. هذا الاعتراف يؤكد على أن التوبة ليست مجرد فعل فردي، بل هي أيضًا مسؤولية جماعية.

FAQ ❓

  • ❓ لماذا أمر نحميا الشعب بالتوقف عن البكاء؟

    نحميا لم يأمرهم بالتوقف عن التوبة، بل بالتوقف عن الحزن المفرط في يوم مخصص للفرح والشكر لله على عودتهم. أراد أن يوازن بين الندم والفرح.

  • ❓ هل البكاء دائمًا علامة على التوبة الحقيقية؟

    ليس بالضرورة. البكاء قد يكون تعبيراً عن الحزن أو اليأس. التوبة الحقيقية تتضمن تغييرًا في القلب والسلوك، وليس مجرد مشاعر عابرة.

  • ❓ كيف يمكنني تطبيق دروس سفر نحميا في حياتي اليومية؟

    من خلال الفحص الذاتي المستمر، والتوبة الصادقة، والالتزام بوصايا الله، وتذكر رحمته وغفرانه.

  • ❓ ما هي أهمية الأسفار القانونية الثانية في فهمنا للتوبة؟

    الأسفار القانونية الثانية تقدم لنا رؤى إضافية حول التوبة الجماعية، وأهمية الأعمال الصالحة، والرحمة الإلهية.

الخلاصة

إن قصة بكاء الشعب عند سماع الشريعة في سفر نحميا ليست قصة حزن ويأس، بل هي قصة توبة ورجاء. إنها تذكرنا بأن الله رحيم وغفور، وأنه دائمًا مستعد لقبولنا إذا عدنا إليه بقلب صادق. لماذا بكى الشعب عند سماع الشريعة في سفر نحميا؟ لأنهم أدركوا بعدهم عن الله ورغبوا في العودة إليه. فلنجعل من هذه القصة مصدر إلهام لنا لنعيش حياة ترضي الله، حياة مليئة بالمحبة والرحمة والسلام. هذا ما تعلمناه من الكتاب المقدس ومن آبائنا القديسين، وهذه هي دعوتنا اليوم.

Tags

Meta Description

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *