في سفر يوئيل العقوبات المروعة: هل تتفق مع صورة الله في العهد الجديد كإله محبة؟ دراسة لاهوتية
مُلخص تنفيذي
يثير سفر يوئيل تساؤلات هامة حول طبيعة الله، خاصةً فيما يتعلق بالعقوبات المروعة الموصوفة فيه، وهل تتفق هذه العقوبات مع صورة الله المحب في العهد الجديد. هذا المقال يتعمق في هذه القضية من منظور لاهوتي قبطي أرثوذكسي، مستكشفًا السياق التاريخي والنبوي لسفر يوئيل، وتفسيرات الآباء القديسين، وكيف يمكننا فهم “يوم الرب العظيم المخوف” في ضوء محبة الله ورحمته. سنناقش كيف أن التأديب الإلهي، على الرغم من قسوته الظاهرية، يهدف دائمًا إلى التوبة والخلاص، وكيف تتماشى صورة الله في العهدين القديم والجديد كإله عادل ورحيم. فهم طبيعة الله في سفر يوئيل هو مفتاح لتفسير الكتاب المقدس ككل، وهو ما نسعى إليه في هذا المقال.
مقدمة
غالبًا ما يواجه المؤمنون تحديًا في فهم كيف يمكن لإله محب أن يسمح بمعاناة وعقوبات مذكورة في الكتاب المقدس، خاصةً في أسفار مثل سفر يوئيل. هذا المقال يهدف إلى استكشاف هذه التحديات وتقديم منظور لاهوتي أرثوذكسي حول هذه القضية.
تفسير العقوبات في سفر يوئيل في ضوء السياق التاريخي والنبوي
سفر يوئيل، بتركيزه الشديد على “يوم الرب العظيم المخوف” (يوئيل 2: 11)، غالبًا ما يثير تساؤلات حول طبيعة الله. هل هذه العقوبات تتفق مع صورة الله المحب في العهد الجديد؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نفهم السياق التاريخي والنبوي للسفر. يصور يوئيل غزوًا مدمرًا للجراد يهدد بتدمير الأراضي الزراعية وتسبب المجاعة. هذا الغزو يراه النبي كتعبير عن غضب الله بسبب خطايا شعبه.
يوم الرب العظيم المخوف: هذا المصطلح لا يشير فقط إلى يوم انتقام، بل أيضًا إلى يوم دينونة وعدالة، حيث يتدخل الله لتطهير شعبه وإعادته إلى البر.
يقول الكتاب (يوئيل 2: 12-13) “ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر.” (Smith & Van Dyke).
- السياق التاريخي: كانت مملكة يهوذا في حالة من الانحلال الروحي والأخلاقي، وكانت العقوبات بمثابة دعوة للتوبة والرجوع إلى الله.
- السياق النبوي: تنبأ يوئيل أيضًا بأحداث مستقبلية، بما في ذلك حلول الروح القدس يوم الخمسين (يوئيل 2: 28-32)، مما يربط العهد القديم بالعهد الجديد.
آراء الآباء القديسين حول طبيعة التأديب الإلهي
الآباء القديسون، مثل القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الكبير، قدموا رؤى قيمة حول فهم التأديب الإلهي. إنهم يؤكدون أن الله يؤدب بدافع المحبة، بهدف تصحيح خطايا شعبه وإعادته إلى الطريق الصحيح.
يقول القديس أثناسيوس الرسولي (Ἀθανάσιος Ἀλεξανδρείας): “ὁ γὰρ Κύριος ὃν ἀγαπᾷ παιδεύει, μαστιγοῖ δὲ πάντα υἱὸν ὃν παραδέχεται” (Athanasius, *Adversus Gentes*, 36). (ترجمة: “لأن الرب الذي يحبه يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله.” English: “For the Lord disciplines the one he loves, and he chastens everyone he accepts as his son.”) وفي العربية: “لأن الرب الذي يحبه يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله.”
هذا المفهوم يؤكد أن العقوبات ليست تعبيرًا عن الغضب الانتقامي، بل هي وسيلة لإظهار المحبة الأبوية، تمامًا كما يؤدب الأب المحب ابنه لتعليمه وتقويمه.
- التأديب كعلاج: يرى الآباء أن التأديب الإلهي يشبه العلاج الذي يهدف إلى شفاء الروح من أمراض الخطيئة.
- المحبة كدافع: يؤكدون أن المحبة هي الدافع وراء التأديب، وليس الانتقام.
- التوبة كهدف: الهدف النهائي من التأديب هو أن يتوب الإنسان ويرجع إلى الله.
العلاقة بين العدل الإلهي والمحبة الإلهية
قد يبدو أن العدل الإلهي والمحبة الإلهية متعارضين، ولكن في الواقع، هما وجهان لعملة واحدة. العدل الإلهي يتطلب معاقبة الخطية، لكن المحبة الإلهية تسعى إلى خلاص الخاطئ. هذه الحقيقة تتضح في الفداء الذي قدمه المسيح على الصليب، حيث حمل عقاب خطايانا لكي ننال نحن الغفران والحياة الأبدية. فهم طبيعة الله في سفر يوئيل يتطلب فهم هذه العلاقة بين عدله ومحبته.
يقول الكتاب (يوحنا 3: 16) “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ.” (Smith & Van Dyke).
- العدل كضرورة: العدل الإلهي ضروري للحفاظ على النظام والقداسة في الكون.
- المحبة كخلاص: المحبة الإلهية تقدم الخلاص والغفران لكل من يتوب ويؤمن.
- الفداء كتجسيد: الفداء الذي قدمه المسيح هو التجسيد الكامل للعدل والمحبة الإلهية.
سفر يوئيل والعقوبات المروعة: هل تتفق مع صورة الله في العهد الجديد كإله محبة؟
إنّ سؤال “في سفر يوئيل العقوبات المروعة – هل تتفق مع صورة الله في العهد الجديد كإله محبة؟” سؤال مشروع. لكن يجب أن نفهم أن العقوبات في سفر يوئيل ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لدعوة الناس إلى التوبة والرجوع إلى الله. وكما ذكرنا سابقًا، فإن التأديب الإلهي هو تعبير عن المحبة الأبوية، وليس عن الغضب الانتقامي. العهد الجديد يكشف لنا عن محبة الله بشكل أوضح، لكنه لا يلغي عدله. فالله هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد.
- التوبة كفرصة: العقوبات هي فرصة للتوبة والرجوع إلى الله.
- الرحمة كهدف: الهدف النهائي هو الرحمة والخلاص، وليس الهلاك.
- الاستمرارية في الطبيعة: الله في العهد القديم هو نفسه الله في العهد الجديد، وإن كانت مظاهر محبته وعدله تتجلى بطرق مختلفة.
أسئلة متكررة ❓
س: هل الله قاسي في العهد القديم؟
ج: ليس بالضرورة. العقوبات في العهد القديم غالبًا ما تكون نتيجة طبيعية لخطايا الإنسان، وهي أيضًا دعوة للتوبة والرجوع إلى الله. بالإضافة إلى ذلك، نجد العديد من الأمثلة على رحمة الله وصبره في العهد القديم.
س: كيف نفهم “يوم الرب العظيم المخوف” في ضوء محبة الله؟
ج: “يوم الرب العظيم المخوف” هو يوم دينونة وعدالة، لكنه أيضًا يوم خلاص للمؤمنين. إنه يوم يتم فيه تطهير الأرض من الشر، ويتم مكافأة الأبرار. يجب أن نفهم هذا اليوم كجزء من خطة الله لخلاص البشرية.
س: هل العقوبات في سفر يوئيل تتفق مع تعاليم المسيح عن المحبة؟
ج: نعم، لأن تعاليم المسيح عن المحبة لا تنفي عدل الله. فالمحبة الحقيقية تتطلب أيضًا معاقبة الشر وحماية الأبرار. العقوبات في سفر يوئيل هي تعبير عن هذا العدل.
س: ما هي الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها من سفر يوئيل؟
ج: سفر يوئيل يعلمنا أهمية التوبة والرجوع إلى الله، وأن الله رؤوف ورحيم، ولكنه أيضًا عادل ومنصف. كما يعلمنا أن نكون مستعدين ليوم الرب، وأن نسعى إلى القداسة والبر.
الخلاصة
إن فهم طبيعة الله في سفر يوئيل يتطلب منا أن ننظر إلى الصورة الكاملة للكتاب المقدس، وأن ندرك أن الله هو إله عادل ومحب في آن واحد. العقوبات المذكورة في سفر يوئيل ليست تعبيرًا عن الغضب الانتقامي، بل هي دعوة للتوبة والرجوع إلى الله. وكما قال القديس أثناسيوس، فإن الله يؤدب من يحب. لذلك، يجب أن نتعلم من سفر يوئيل أهمية التوبة والرجوع إلى الله، وأن نكون مستعدين ليوم الرب. فهم طبيعة الله في سفر يوئيل يساهم في فهم أعمق لخطته الخلاصية لنا. فلنحرص على تطبيق هذه الدروس في حياتنا اليومية، لكي نكون مستحقين لرحمة الله وخلاصه.
Tags
يوئيل, عقوبات, محبة الله, العهد القديم, العهد الجديد, لاهوت, الآباء القديسين, توبة, عدل, رحمة
Meta Description
هل تتفق العقوبات المروعة في سفر يوئيل مع صورة الله المحب في العهد الجديد؟ استكشاف لاهوتي قبطي أرثوذكسي لعلاقة العدل والمحبة الإلهية. فهم طبيعة الله في سفر يوئيل.