هل سفر يشوع يُشجّع على الإبادة الدينية؟ نظرة لاهوتية أرثوذكسية قبطية
مُلَخَّص تَنْفِيذِيّ
تثار تساؤلات كثيرة حول سفر يشوع، خاصة فيما يتعلق بأوامر الحرب والإبادة المذكورة فيه. هل يمكن أن يأمر الله بالإبادة؟ وهل يتعارض ذلك مع طبيعته المحبة والرحيمة؟ هذه الدراسة العميقة تتناول هذه الأسئلة من منظور لاهوتي أرثوذكسي قبطي، مستندة إلى الكتاب المقدس كله، بما في ذلك الأسفار القانونية الثانية، وأقوال الآباء، والسياق التاريخي والجغرافي. سنوضح أن أوامر الحرب في سفر يشوع كانت محدودة بسياق تاريخي محدد، وأنها كانت بمثابة دينونة إلهية على شعوب ارتكبت فظائع لا تُصدق، وأن هذه الأحداث لا تشجع على العنف أو الإبادة الدينية في العصر الحديث. بل إنها تقدم دروسًا روحية عميقة حول العدالة الإلهية، وخطورة الخطيئة، وأهمية الطاعة.
يتناول هذا البحث سؤالًا حاسمًا: هل سفر يشوع يُشجّع على الإبادة الدينية؟ الإجابة، من منظور أرثوذكسي قبطي، هي لا. سنستكشف الأوامر الإلهية للحرب في سياقها التاريخي، وسنقدم تفسيراً لاهوتياً يوضح أن هذه الأوامر كانت جزءاً من خطة الله للخلاص، وليست ترخيصاً للعنف العشوائي. هدفنا هو فهم النص الكتابي بشكل كامل وعميق، وتطبيقه على حياتنا الروحية اليومية.
الأوامر الإلهية في سياقها التاريخي والجغرافي
من المهم فهم أن الأوامر الإلهية بالحرب في سفر يشوع لم تكن أوامر عامة وشاملة، بل كانت موجهة لشعب إسرائيل في فترة محددة، وفي سياق جغرافي محدد. كانت هذه الشعوب (الكنعانيين، الأموريين، الحثيين، الفرزيين، اليبوسيين، الجرجاشيين) قد وصلت إلى مستوى عالٍ من الفساد الأخلاقي والروحي، وممارسات مثل تقديم الأطفال كذبائح بشرية كانت شائعة.
- الظروف البيئية والجغرافية: كانت أرض كنعان مركزًا استراتيجيًا للتجارة والسيطرة الإقليمية. الأوامر الإلهية لم تكن تهدف فقط إلى تطهير الأرض من الشر، بل أيضًا لحماية شعب إسرائيل الناشئ من التأثر بهذه الثقافات الوثنية والفاسدة.
- الفساد الأخلاقي والروحي: سفر اللاويين يصف بالتفصيل الفظائع التي ارتكبتها هذه الشعوب، والتي كانت تهدد بتدمير النسيج الاجتماعي والأخلاقي لشعب إسرائيل.
- السياق التاريخي للخلاص: كانت هذه الأحداث جزءًا من خطة الله للخلاص، حيث كان شعب إسرائيل هو الأداة التي سيأتي من خلالها المسيح. الحفاظ على نقاء هذا الشعب كان أمرًا ضروريًا لتحقيق هذه الخطة.
- التحذيرات المتكررة: الله حذر هذه الشعوب مرارًا وتكرارًا من خلال الأنبياء، لكنهم رفضوا التوبة.
- يشوع كأداة للعدالة الإلهية: لم يكن يشوع يتصرف من تلقاء نفسه، بل كان ينفذ أوامر الله.
- ليس ترخيصًا للعنف العشوائي: من المهم التأكيد على أن هذه الأحداث لا تشجع على العنف العشوائي أو الإبادة الدينية في أي مكان أو زمان آخر.
لاهوت الحرب في العهد القديم: نظرة أرثوذكسية قبطية
من وجهة نظر لاهوتية أرثوذكسية قبطية، يجب فهم الحرب في العهد القديم على أنها جزء من التدبير الإلهي للخلاص. الله ليس إله عنف، بل هو إله عدل ورحمة. ولكن في بعض الأحيان، تتطلب العدالة الإلهية تدخلًا حاسمًا لوقف الشر وحماية الأبرار.
- الله ضابط الكل: “أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَاليَاءُ، البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” (رؤيا 1: 8) (Smith & Van Dyke). الله يسمح بالحروب، وفي بعض الأحيان يأمر بها، لتحقيق مقاصده.
- العدالة الإلهية: “اَلرَّبُّ عَدْلٌ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ” (مزمور 145: 17) (Smith & Van Dyke). الحرب في سفر يشوع كانت دينونة إلهية على شعوب شريرة.
- الرحمة الإلهية: “اَلرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ” (مزمور 103: 8) (Smith & Van Dyke). الله أعطى هذه الشعوب فرصًا للتوبة، لكنهم رفضوا.
- المفهوم الأرثوذكسي عن الحرب: الحرب ليست هدفًا في حد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق السلام والعدالة.
- أقوال الآباء: القديس أثناسيوس الرسولي يقول: “Οὐ γὰρ ἔστιν ὁ Θεὸς αἴτιος τῶν κακῶν, ἀλλὰ ἡ ἐπιλογὴ ἡμῶν.” (PG 25:60). (English: “For God is not the cause of evils, but our choice.” Arabic: “لأن الله ليس سبب الشرور، بل اختيارنا.”). هذا يعني أن الله يسمح بالشر كنتيجة لاختياراتنا الحرة.
- تطبيق في العصر الحديث: يجب أن نسعى للسلام والمصالحة، ولكن يجب أيضًا أن نكون مستعدين للدفاع عن الحق والعدالة.
هل سفر يشوع يتعارض مع محبة الله؟
قد يبدو أن أوامر الحرب في سفر يشوع تتعارض مع طبيعة الله المحبة والرحيمة. ولكن، من المهم أن نتذكر أن محبة الله لا تتعارض مع عدله. الله يحب جميع البشر، ولكنه أيضًا يكره الشر. في بعض الأحيان، تتطلب المحبة الحقيقية تدخلًا حاسمًا لوقف الشر وحماية الأبرار.
- محبة الله الشاملة: “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يوحنا 3: 16) (Smith & Van Dyke). الله يحب جميع البشر، ويريد لهم الخلاص.
- عدل الله: “اَلرَّبُّ عَدْلٌ، يُحِبُّ الْعَدْلَ. الْمُسْتَقِيمُ يَنْظُرُ وَجْهَهُ” (مزمور 11: 7) (Smith & Van Dyke). الله يعاقب الشر، ويكافئ الخير.
- المحبة التأديبية: “لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ” (عبرانيين 12: 6) (Smith & Van Dyke). التأديب هو جزء من محبة الله لنا.
- الأقوال الآبائية: القديس كيرلس الكبير يقول: “Οὐ γὰρ μισεῖ ὁ Θεὸς τοὺς ἁμαρτωλοὺς, ἀλλὰ τὴν ἁμαρτίαν.” (PG 68:568). (English: “For God does not hate sinners, but sin.” Arabic: “لأن الله لا يكره الخطاة، بل الخطيئة.”). هذا يعني أن الله يكره الخطيئة، ولكنه يحب الخاطئ ويريد له التوبة.
- التوبة والغفران: الله يقبل التوبة ويغفر الخطايا. حتى الشعوب الكنعانية كان يمكن أن تنجو لو تابت وآمنت بالله.
- التطبيق في العصر الحديث: يجب أن نكون محبين ورحيمين، ولكن يجب أيضًا أن نكره الشر ونسعى للعدالة.
أسئلة متكررة ❓
- س: هل الله يأمر بالإبادة؟
ج: الأوامر الإلهية بالحرب في سفر يشوع كانت محدودة بسياق تاريخي محدد، وكانت بمثابة دينونة إلهية على شعوب ارتكبت فظائع لا تُصدق. هذه الأوامر لا تشجع على العنف أو الإبادة الدينية في العصر الحديث. - س: هل سفر يشوع يتعارض مع محبة الله؟
ج: محبة الله لا تتعارض مع عدله. الله يحب جميع البشر، ولكنه أيضًا يكره الشر. في بعض الأحيان، تتطلب المحبة الحقيقية تدخلًا حاسمًا لوقف الشر وحماية الأبرار. - س: كيف يمكننا تطبيق دروس سفر يشوع على حياتنا اليومية؟
ج: يمكننا أن نتعلم من سفر يشوع أهمية الطاعة لله، وخطورة الخطيئة، وأهمية السعي للعدالة. يجب أن نسعى للسلام والمصالحة، ولكن يجب أيضًا أن نكون مستعدين للدفاع عن الحق. - س: ما هي أهمية فهم السياق التاريخي لسفر يشوع؟
ج: فهم السياق التاريخي والجغرافي لسفر يشوع يساعدنا على فهم الأوامر الإلهية للحرب بشكل صحيح، وتجنب إساءة تفسيرها.
خاتمة
في الختام، نؤكد أن سفر يشوع لا يُشجّع على الإبادة الدينية. بل يقدم دروسًا روحية عميقة حول العدالة الإلهية، وخطورة الخطيئة، وأهمية الطاعة. يجب أن نفهم الأوامر الإلهية للحرب في سياقها التاريخي المحدد، وأن نطبق دروسها على حياتنا الروحية اليومية. يجب أن نسعى للسلام والمصالحة، ولكن يجب أيضًا أن نكون مستعدين للدفاع عن الحق والعدالة. فهمنا الصحيح لسفر يشوع يرسخ إيماننا بالله العادل والمحب، ويدعونا إلى حياة القداسة والبر. فلتكن لنا نعمة وفهم، لنستطيع أن نعيش بحسب مشيئة الله، وننال بركاته في حياتنا.
Tags
الكتاب المقدس, سفر يشوع, الإبادة الدينية, لاهوت, أرثوذكسية قبطية, العهد القديم, الحرب, العدالة الإلهية, محبة الله, التوبة
Meta Description
هل سفر يشوع يُشجّع على الإبادة الدينية؟ دراسة لاهوتية أرثوذكسية قبطية تفند الشبهات وتوضح السياق التاريخي والروحي للأحداث.