في سفر يشوع: هل الله يحتاج للقتل كي يحقق خطته؟ نظرة لاهوتية أرثوذكسية

مُلخص تنفيذي

غالبًا ما تُثار تساؤلات حول طبيعة الله في العهد القديم، خاصةً فيما يتعلق بسفر يشوع، حيث تبدو الأوامر الإلهية بالقتل منافيةً لمفهومنا عن الإله المحب الرحيم. هذا المقال، “في سفر يشوع: هل الله يحتاج للقتل كي يحقق خطته؟“، يسعى إلى تفنيد هذه الشبهات من منظور لاهوتي أرثوذكسي قبطي، مستندًا إلى الكتاب المقدس بعهديه، والأسفار القانونية الثانية، وآباء الكنيسة، والسياق التاريخي والجغرافي. نوضح أن هذه الأحداث كانت أحكامًا إلهية على شعوب مارقة، وأن الله استخدم إسرائيل كأداة لتنفيذ عدله، وليس دليلًا على احتياجه للقتل لتحقيق خطته. كما نسلط الضوء على أهمية فهم هذه النصوص في سياقها الزمني والثقافي، وندرس كيف يمكننا تطبيق هذه الدروس الروحية في حياتنا المعاصرة.

مقدمة

كثيرًا ما يواجه المؤمنون تساؤلات صعبة حول الكتاب المقدس، خاصةً تلك التي تتعلق بصورة الله في العهد القديم. أحد هذه التساؤلات الشائعة: في سفر يشوع: هل الله يحتاج للقتل كي يحقق خطته؟ هل يبدو أن الله يأمر بقتل شعوب بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال، في سفر يشوع؟ هذا المقال يقدم استكشافًا معمقًا لهذه القضية، بهدف تقديم فهم لاهوتي أرثوذكسي قبطي لهذه الأحداث، مع التركيز على عدالة الله ورحمته في جميع الأوقات.

عدالة الله أم قسوة؟ فهم سياق أوامر القتل في سفر يشوع

قد تبدو أوامر القتل في سفر يشوع قاسية وغير متوافقة مع صورة الله المحبة. لكن من الضروري فهم السياق التاريخي والثقافي لهذه الأحداث.

  • دينونة إلهية على الشر المستشري: لم يكن القتل في سفر يشوع مجرد غزو عسكري، بل كان تنفيذًا لدينونة إلهية على شعوب مارقة غارقة في الشر والوثنية. (تثنية 9: 4-5) “لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ حِينَ يُطْرَدُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ: لأَجْلِ بِرِّي أَدْخَلَنِي الرَّبُّ لأَمْلِكَ هذِهِ الأَرْضَ، وَلأَجْلِ إِثْمِ هؤُلاَءِ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِكَ. لَيْسَ لأَجْلِ بِرِّكَ وَلاَ لأَجْلِ اسْتِقَامَةِ قَلْبِكَ تَدْخُلُ لِتَمْلِكَ أَرْضَهُمْ، بَلْ لأَجْلِ إِثْمِ هؤُلاَءِ يَطْرُدُهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَلِكَيْ يُقِيمَ الْكَلاَمَ الَّذِي أَقْسَمَ عَلَيْهِ الرَّبُّ لآِبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.”
  • حماية شعب الله: كان القضاء على هذه الشعوب ضروريًا لحماية شعب إسرائيل من الانحراف عن عبادة الله الواحد، والانغماس في ممارساتهم الوثنية الفاسدة.
  • إسرائيل كأداة في يد الله: استخدم الله شعب إسرائيل كأداة لتنفيذ عدله على هذه الشعوب، تمامًا كما استخدم أدوات أخرى في التاريخ لتنفيذ مشيئته.
  • السياق التاريخي والجغرافي: يجب أن نتذكر أن هذه الأحداث وقعت في سياق تاريخي مختلف تمامًا عن زماننا، حيث كانت الحروب شائعة، وكانت معايير الأخلاق مختلفة.
  • الأسفار القانونية الثانية: توضح سفر الحكمة (12: 3-7) “إِنَّكَ كَرِهْتَ سُكَّانَ أَرْضِكَ الْقَدِيمِينَ، الَّذِينَ يَأْتُونَ الْفِعْلَ الْمُسْتَنْكَرَ، وَيَعْمَلُونَ السِّحْرَ، وَيُقِيمُونَ الذَّبَائِحَ الشِّرِّيرَةَ، وَيَذْبَحُونَ أَوْلاَدَهُمْ قَتْلاً لِلإِقْرَابِ إِلَى أَصْنَامٍ لاَ حَافِظَ لَهَا. لِذلِكَ قَصَدْتَ أَنْ تُهْلِكَ هؤُلاَءِ الآبَاءَ الْقَاتِلِينَ بِأَيْدِي آبَاءِ بَنِيكَ، لِكَيْ تَرِثَ أَرْضًا كَرِيمَةً لَدَيْكَ، فَتَسْتَقِرَّ أَرْضًا مُرْضِيَةً لِبَنِيكَ الَّذِينَ أَحْبَبْتَهُمْ إِلَى الأَبَدِ.” أن الله كان رحيمًا وطويل الأناة حتى مع هذه الشعوب الشريرة، وأنه أعطاهم فرصًا للتوبة قبل أن يأتي عليهم الدينونة.

لاهوت الآباء: نظرة أعمق لعدل الله ورحمته

يعمق آباء الكنيسة فهمنا لعمل الله في العهد القديم. يوضحون أن الله لم يكن قاسياً بل كان عادلاً ورحيمًا في دينونته.

القديس أغسطينوس (Augustine of Hippo) يقول: “Non enim crudelis est Deus, qui scit qualiter punire quos punire debet.” (Contra Faustum Manichaeum, XXII, 73) ترجمة: “إن الله ليس قاسياً، بل هو يعلم كيف يعاقب من يستحق العقاب.” (ضد فوستوس المانوي، 22، 73). (بالعربية: “الله ليس قاسياً، بل هو يعلم كيف يعاقب من يستحق العقاب.”) هذه العبارة تؤكد على أن عقاب الله ليس نابعًا من قسوة، بل من عدل إلهي يهدف إلى إصلاح الكون.

القديس إيريناوس (Irenaeus of Lyons) يوضح أن الله استخدم العهد القديم كطريق لإعداد البشرية للعهد الجديد والمسيح. (Adversus Haereses, IV, 28, 2) ترجمة: “الله، الذي هو دائمًا هو نفسه، قد أظهر محبته وعدله في كلا العهدين، ولكن بطرق مختلفة تتناسب مع تطور البشرية.” (ضد الهرطقات، 4، 28، 2). (بالعربية: “الله، وهو هو دائمًا، قد أظهر محبته وعدله في كلا العهدين، ولكن بطرق مختلفة تتناسب مع تطور البشرية.”) هذا يشير إلى أن أفعال الله في العهد القديم كانت جزءًا من خطة أكبر للخلاص، وكانت تهدف إلى إعداد البشرية لاستقبال المسيح.

هل يتعارض العهد القديم مع العهد الجديد؟

لا يتعارض العهد القديم مع العهد الجديد، بل يكمله. يسوع المسيح نفسه أكد على أنّه لم يأتِ لينقض الناموس بل ليكمله (متى 5: 17). أوامر القتل في سفر يشوع كانت جزءًا من خطة الله في العهد القديم، لكنها لا تعني أن الله قد تغير في العهد الجديد. بل، العهد الجديد يكشف عن رحمة الله ومحبته بشكل أكمل من خلال الفداء الذي قدمه يسوع المسيح على الصليب.

أسئلة شائعة ❓

  • ❓ لماذا أمر الله بقتل الأطفال والنساء؟

    إن أمر الله بقتل النساء والأطفال هو من أكثر الجوانب إثارةً للإشكال في سفر يشوع. يرى البعض أن هذا الأمر كان يستهدف القضاء على نسل هؤلاء الشعوب الشريرة ومنعهم من التأثير على شعب إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الأطفال قد تربوا على نفس القيم الفاسدة التي كان عليها آباؤهم، مما يجعلهم عرضةً لتكرار أخطائهم.

  • ❓ هل هذا يعني أن الله قاسٍ وغير عادل؟

    لا، لا يعني ذلك أن الله قاسٍ وغير عادل. الله عادل ورحيم في الوقت نفسه. يجب أن نفهم أن هذه الأحداث وقعت في سياق تاريخي وثقافي مختلف، وأن الله كان لديه أسباب وجيهة لاتخاذ هذه القرارات. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن الله هو خالق الحياة، وله الحق في أن يأخذها متى شاء.

  • ❓ كيف يمكنني أن أثق في كتاب يأمر بالقتل؟

    الكتاب المقدس ليس كتابًا يأمر بالقتل بشكل عشوائي. بل هو كتاب يكشف عن طبيعة الله وعلاقته بالبشر. يجب أن نفهم أوامر القتل في سفر يشوع في سياقها التاريخي والثقافي، وأن ندرك أن الله كان لديه أسباب وجيهة لاتخاذ هذه القرارات. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن الكتاب المقدس يدعونا إلى المحبة والسلام والرحمة.

  • ❓ ما هي الدروس الروحية التي يمكنني أن أستخلصها من سفر يشوع؟

    يمكننا أن نتعلم الكثير من الدروس الروحية من سفر يشوع، بما في ذلك أهمية الطاعة لله، والحذر من الشر، والثقة في وعود الله، والاعتماد عليه في كل الظروف. كما يمكننا أن نتعلم أهمية التوبة والرجوع إلى الله، وأنه يغفر لمن يرجع إليه بقلب صادق.

خلاصة

في الختام، الإجابة على سؤال: في سفر يشوع: هل الله يحتاج للقتل كي يحقق خطته؟ هي قطعًا لا. ما نراه في سفر يشوع ليس حاجة لله للقتل، بل هو تجلٍ لعدله في سياق تاريخي معين. الله استخدم شعب إسرائيل كأداة لتنفيذ دينونته على شعوب مارقة، لكن هذا لا يعني أن الله قد تغير في العهد الجديد. بل، العهد الجديد يكشف عن رحمة الله ومحبته بشكل أكمل من خلال الفداء الذي قدمه يسوع المسيح على الصليب. يجب أن نقرأ الكتاب المقدس بعهديه، وأن نسعى إلى فهمه في سياقه الكامل، وأن نثق في أن الله عادل ورحيم في كل الأوقات. يجب أن نثق بأن الله يعمل دائمًا من أجل خيرنا الأبدي، حتى عندما لا نفهم طرقه. دعونا نطلب النعمة من الله لفهم كلمته بشكل أعمق، ولتطبيقها في حياتنا اليومية.

Tags

الكتاب المقدس, سفر يشوع, لاهوت أرثوذكسي, العهد القديم, عدالة الله, رحمة الله, آباء الكنيسة, تفسير الكتاب المقدس, أسئلة وإجابات, قضايا لاهوتية

Meta Description

هل الله يحتاج للقتل لتحقيق خطته في سفر يشوع؟ استكشاف لاهوتي أرثوذكسي قبطي لأوامر القتل في سفر يشوع، ودراسة عدالة الله ورحمته في الكتاب المقدس.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *