“من مصر دعوت ابني”: نبوة هوشع وخلاص المسيح – دراسة لاهوتية

مُلخص تنفيذي

إن نبوة هوشع “من مصر دعوت ابني” (هو 11: 1) تمثل نقطة التقاء بين العهد القديم والعهد الجديد، وتثير تساؤلات حول تفسيرها الصحيح. هل تشير حصريًا إلى خروج بني إسرائيل من مصر، أم تحمل نبوة مسيانية تحققت في حياة المسيح، كما ذكر القديس متى في إنجيله (مت 2: 15)؟ هذه الدراسة اللاهوتية العميقة تستكشف الأبعاد المختلفة لهذه النبوة، مستندة إلى الكتاب المقدس بعهديه، والآباء القديسين، والسياق التاريخي والجغرافي، لتقديم فهم شامل يوضح كيف يمكن أن تكون النبوة تحمل معنيين متكاملين. إن فهم هذه النبوة لا يقتصر على الجانب التاريخي، بل يمتد إلى تطبيقات روحية معاصرة لحياتنا اليومية، داعيًا إيانا إلى التأمل في محبة الله ورحمته التي تجلت في خروج بني إسرائيل وفي تجسد المسيح.

مقدمة: إن سؤال “من مصر دعوت ابني” (هو 11: 1) – هل تتحدث عن خروج إسرائيل فقط، أم نبوة مسيانية عن المسيح (كما استخدمها متى 2: 15)؟ – يمثل تحديًا مثيرًا للاهتمام في التفسير الكتابي. لنبدأ رحلة بحثية لاستكشاف أعماق هذا النص.

السياق التاريخي لنبوة هوشع

لفهم نبوة هوشع، يجب أن نضعها في سياقها التاريخي. كان النبي هوشع يتنبأ في مملكة إسرائيل الشمالية خلال فترة اضطرابات سياسية واجتماعية ودينية. كان الشعب قد انحرف عن عبادة الله الحقيقي، واتجه نحو عبادة الأوثان. استخدم هوشع صورة الخيانة الزوجية لزوجته ليشبه بها خيانة إسرائيل لله.

يذكر هوشع محبة الله لإسرائيل منذ خروجهم من مصر: “حِينَ كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي” (هو 11: 1) (Smith & Van Dyke). هذا يشير بوضوح إلى خروج بني إسرائيل من العبودية في مصر تحت قيادة موسى النبي. كانت مصر بالنسبة لهم رمزًا للعبودية والضيق، والخروج منها كان علامة على فداء الله ومحبته.

التفسير المسياني في إنجيل متى

يقتبس متى الإنجيلي هذه النبوة في سياق هروب العائلة المقدسة إلى مصر وعودتها بعد موت هيرودس: “فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ. وَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ فِي مِصْرَ قَائِلاً: «قُمْ خُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَلَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا». ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِيُوسُفَ: «قُمْ خُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَدَخَلَ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا».” (مت 2: 13-23) (Smith & Van Dyke).

يثير هذا الاقتباس تساؤلات حول ما إذا كان متى يعتبر أن النبوة تتحقق حرفيًا في المسيح، أم أنه يستخدمها كنموذج أو مثال. هل “من مصر دعوت ابني” تعني فقط خروج إسرائيل، أم هي نبوة مسيانية حقيقية؟

الآباء القديسون وتفسير النبوة

تفسيرات الآباء القديسين تقدم لنا رؤى قيمة حول هذا الموضوع. العديد منهم رأوا في النبوة بعدًا مسيانيًا، معتبرين أن المسيح هو “إسرائيل الحقيقي” أو “الابن الحقيقي” الذي تحقق فيه وعد الله بشكل كامل.

على سبيل المثال، يقول القديس كيرلس الإسكندري (Cyril of Alexandria) في تفسيره لإنجيل متى:

«Ἰσραὴλ ὄνομα ἐτέθη τῷ πάλαι, ἀλλ’ ὁ ἀληθινὸς Ἰσραὴλ ὁ Χριστός.»

“The name Israel was given to the old, but the true Israel is Christ.”

“اسم إسرائيل أعطي للقديم، لكن إسرائيل الحقيقي هو المسيح.”

(Cyril of Alexandria, Commentary on Matthew, PG 68:457)

هذا يعني أن القديس كيرلس يرى أن المسيح هو تحقيق كامل لمعنى “إسرائيل”، وبالتالي فإن النبوة “من مصر دعوت ابني” يمكن أن تشير إليه أيضًا.

قواعد التفسير الكتابي المتعدد

من المهم أن ندرك أن الكتاب المقدس غالبًا ما يحمل معاني متعددة. يمكن أن يكون للنص معنى تاريخي مباشر، بالإضافة إلى معنى نبوي أو رمزي يشير إلى المستقبل أو إلى المسيح. هذا ما يعرف بـ”التفسير المتعدد” أو “Fulfilment Theology”.

في حالة نبوة هوشع، يمكننا أن نفهمها على النحو التالي:

  • المعنى التاريخي: يشير إلى خروج بني إسرائيل من مصر تحت قيادة موسى.
  • المعنى النبوي/المسياني: يشير إلى عودة المسيح من مصر بعد هروبه من هيرودس، حيث يمثل المسيح “إسرائيل الحقيقي” أو “الابن الحقيقي” الذي تحقق فيه وعد الله بشكل كامل.

التطبيقات الروحية لحياتنا اليومية

إن فهمنا لنبوة “من مصر دعوت ابني” لا يجب أن يقتصر على الجانب الأكاديمي والتاريخي. بل يجب أن يمتد إلى حياتنا الروحية اليومية. يمكننا أن نتعلم منها ما يلي:

  • محبة الله ورحمته: الله يحبنا ويرحمنا كما أحب إسرائيل وأرسل لهم الخلاص من مصر.
  • الخلاص في المسيح: المسيح هو فدائنا ومخلصنا، كما كان الخروج من مصر فداءً لإسرائيل من العبودية.
  • دعوة الله لنا: الله يدعونا للخروج من “مصر” حياتنا، أي من عبودية الخطية والشهوات، والدخول إلى حياة الحرية والمجد في المسيح.
  • الثقة في وعود الله: كما وعد الله إسرائيل بالخلاص، فهو يفي بوعوده لنا في المسيح.

FAQ ❓

س: هل استخدام متى لنبوة هوشع يعني أنها نبوة مسيانية حقيقية؟

ج: نعم، يمكن اعتبارها نبوة مسيانية حقيقية. حتى لو كان لها معنى تاريخي مباشر، فإن متى يرى فيها بعدًا نبويًا يشير إلى المسيح. هذا يتفق مع التفسير الكتابي المتعدد الذي يسمح للنص الواحد بأن يحمل معاني مختلفة.

س: كيف يمكن أن يكون المسيح هو “إسرائيل الحقيقي”؟

ج: من الناحية الروحية، يمثل المسيح الكمال الذي فشل فيه إسرائيل القديم في تحقيقه. هو الشعب المختار الأمين الذي أطاع الله بشكل كامل، وهو الذي يحقق وعد الله بالخلاص لكل البشرية.

س: ما هي “مصر” التي يجب أن نخرج منها في حياتنا اليومية؟

ج: “مصر” في حياتنا اليومية تمثل كل ما يبعدنا عن الله، مثل الخطية والشهوات والأهواء العالمية. الخروج من “مصر” يعني التوبة والرجوع إلى الله والسعي للعيش بحسب وصاياه.

س: هل هذا التفسير يتعارض مع الفهم اليهودي للنبوة؟

ج: نعم، قد يختلف التفسير المسيحي للنبوة عن التفسير اليهودي. ومع ذلك، فإن التفسير المسيحي يستند إلى الإيمان بأن المسيح هو تحقيق كامل لوعود الله في العهد القديم، وأن النبوءات يمكن أن تحمل معاني متعددة.

خلاصة

في الختام، فإن نبوة “من مصر دعوت ابني” (هو 11: 1) – هل تتحدث عن خروج إسرائيل فقط، أم نبوة مسيانية عن المسيح (كما استخدمها متى 2: 15)؟ – تحمل معنيين متكاملين. تشير إلى خروج بني إسرائيل من مصر، وتنبئ بعودة المسيح من مصر، حيث يمثل المسيح “إسرائيل الحقيقي” أو “الابن الحقيقي”. هذا الفهم يعمق إيماننا بمحبة الله ورحمته التي تجلت في خروج بني إسرائيل وفي تجسد المسيح. كما يدعونا إلى التأمل في كيفية تطبيق هذه النبوة في حياتنا الروحية اليومية، بالخروج من “مصر” عبودية الخطية والدخول إلى حياة الحرية والمجد في المسيح، الثقة في وعد الله بخلاصنا من كل ضيق.

Tags

هوشع, متى, نبوة, مسيح, مصر, خروج, إسرائيل, تفسير كتابي, الآباء القديسين, لاهوت

Meta Description

دراسة لاهوتية معمقة لنبوة “من مصر دعوت ابني” (هو 11: 1): هل تشير فقط إلى خروج إسرائيل، أم هي نبوة مسيانية عن المسيح كما ذكر متى؟ اكتشف التفسير الكتابي والتطبيقات الروحية.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *