هل أجاز نحميا الربا أو تغاضى عنه؟ نظرة أرثوذكسية شاملة
مُلخص تنفيذي
هل أجاز نحميا الربا أو تغاضى عنه؟ هذا سؤال يتردد صداه عبر القرون، مثيرًا نقاشات حادة حول تفسير الكتاب المقدس وأخلاقيات التعامل المالي. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل أرثوذكسي شامل لهذه القضية، مستندين إلى الكتاب المقدس بعهديه، وأقوال الآباء، والسياق التاريخي والاجتماعي. سندرس بعناية نصوص سفر نحميا المتعلقة بالربا، ونقارنها بتعاليم الكتاب المقدس الأخرى حول العدل والمحبة. كما سنستعرض آراء آباء الكنيسة الأوائل في هذا الشأن، ونستكشف كيف يمكننا تطبيق هذه التعاليم على حياتنا اليومية في عالمنا المعاصر. نأمل أن يساهم هذا البحث في فهم أعمق لموقف الكتاب المقدس من الربا، وأن يلهمنا لعيش حياة تتسم بالعدل والرحمة.
يعتبر سؤال “هل أجاز نحميا الربا أو تغاضى عنه؟” من القضايا الشائكة التي تتطلب دراسة متأنية وشاملة. دعونا نتعمق في هذا الموضوع الشائك لنفهم ماذا يقول الكتاب المقدس حقًا.
سفر نحميا والربا: نظرة عامة
يتضمن سفر نحميا إشارات إلى ممارسات الإقراض الربوي بين اليهود العائدين من السبي البابلي. هذه الممارسات أدت إلى ضائقة اقتصادية شديدة بين الفقراء، الذين اضطروا إلى رهن أراضيهم وأطفالهم لسداد الديون.
نحميا 5: 1-5 (Smith & Van Dyke): “وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيماً عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. وَوُجِدَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: «نَحْنُ بَنُونَا وَبَنَاتُنَا كَثِيرُونَ، فَنَأْخُذُ قَمْحاً وَنَأْكُلُ وَنَحْيَا». وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: «نَحْنُ نَرْهَنُ حُقُولَنَا وَكُرُومَنَا وَبُيُوتَنَا لِنَأْخُذَ قَمْحاً فِي الْمَجَاعَةِ». وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: «نَحْنُ قَدِ اقْتَرَضْنَا فِضَّةً لِجِزْيَةِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. وَالآنَ لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا، وَبَنُونَا كَبَنِيهِمْ، وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا لِلْعُبُودِيَّةِ، وَبَعْضُ بَنَاتِنَا قَدِ اسْتُعْبِدْنَ، وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ أَيْدِينَا شَيْءٌ، وَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا لآخَرِينَ».”
هل نحميا أجاز الربا أم تغاضى عنه؟
من خلال قراءة دقيقة لسفر نحميا، يتضح أن نحميا لم يُجز الربا، بل على العكس، قام بإدانته بشدة. وعندما سمع نحميا صراخ الشعب، غضب غضباً شديداً وقرر أن يتخذ إجراءات فورية لإصلاح الوضع.
نحميا 5: 6-7 (Smith & Van Dyke): “فَغَضِبْتُ جِدّاً حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهَذَا الْكَلاَمَ. فَشَاوَرْتُ قَلْبِي ثُمَّ وَبَّخْتُ الْعُظَمَاءَ وَالْوُكَلاَءَ وَقُلْتُ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ». وَجَمَعْتُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً.”
موقف نحميا من الربا: تحليل أرثوذكسي
- الإدانة الواضحة: لم يتوان نحميا في إدانة ممارسات الربا، بل اعتبرها ظلماً واستغلالاً للفقراء.
- المطالبة بالإصلاح: دعا نحميا المرابين إلى رد الأموال والأراضي التي أخذوها بالربا، وإلى التوقف عن هذه الممارسات الظالمة.
- القدوة الحسنة: قدم نحميا نفسه مثالاً يحتذى به، حيث امتنع عن أخذ أي فوائد أو أرباح من الشعب، رغم أنه كان له الحق في ذلك كحاكم.
- الربط بالشريعة: استند نحميا في موقفه إلى شريعة موسى، التي تحرم أخذ الربا من الإخوة اليهود.
آراء آباء الكنيسة في الربا
لم يكن آباء الكنيسة الأوائل أقل صرامة في إدانتهم للربا. لقد اعتبروا الربا شكلاً من أشكال الاستغلال والظلم، يتعارض مع تعاليم المسيح عن المحبة والرحمة.
القديس باسيليوس الكبير (Βασίλειος ὁ Μέγας): “ὁ τοκιστὴς λυκοῦται τὸν πένητα, καὶ ἐκ τοῦ πόνου αὐτοῦ πλουτεῖ.” (The usurer preys on the poor, and enriches himself by their toil.) – (PG 31: 277).
الترجمة العربية: “المرابي يفترس الفقير، ويثري نفسه من عرق جبينه.”
القديس يوحنا الذهبي الفم (Ἰωάννης ὁ Χρυσόστομος): “Τί γὰρ ἂν γένοιτο χειρότερον, ὅταν ἀντὶ τοῦ βοηθεῖν τοὺς δεομένους, λυμαίνῃ καὶ ἀπατεώνῃ;” (For what could be worse than, instead of helping those in need, to harm and defraud them?) – (Homilies on the Gospel of Matthew, 62.3).
الترجمة العربية: “فماذا يكون أسوأ من أن، بدلاً من مساعدة المحتاجين، تضرهم وتخدعهم؟”
السياق التاريخي والاجتماعي لممارسات الربا في سفر نحميا
فهم السياق التاريخي والاجتماعي يساعدنا في فهم أعمق لأسباب تفشي الربا في زمن نحميا وكيف تعامل معه:
- الظروف الاقتصادية الصعبة: عانى اليهود العائدون من السبي من ظروف اقتصادية صعبة، نتيجة للفقر والجفاف والضرائب الباهظة.
- غياب العدالة الاجتماعية: تفاقمت المشكلة بسبب غياب العدالة الاجتماعية، واستغلال الأغنياء للفقراء.
- تأثير الثقافات الوثنية: تأثر اليهود العائدون من السبي بثقافات الأمم الوثنية المحيطة بهم، والتي كانت تسمح بممارسات الربا.
الربا في العهد القديم: نظرة شاملة
يحرم العهد القديم أخذ الربا من الإخوة اليهود، ولكنه يسمح به من الأجانب. هذا التمييز يعكس اهتمام الشريعة بحماية المجتمع الإسرائيلي من الاستغلال الاقتصادي.
تثنية 23: 19-20 (Smith & Van Dyke): “لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ أَوْ رِبَا طَعَامٍ أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا. لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا، لِكَيْ يُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا.”
الربا في العهد الجديد
لم يتناول العهد الجديد الربا بشكل مباشر، ولكنه يؤكد على أهمية المحبة والرحمة والعدل، وهي قيم تتناقض مع ممارسات الربا.
لوقا 6: 35 (Smith & Van Dyke): “بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ.”
أسئلة متكررة ❓
- س: هل الربا حرام في المسيحية الأرثوذكسية؟
ج: نعم، تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية الربا شكلاً من أشكال الاستغلال والظلم، ويتعارض مع تعاليم المحبة والرحمة. - س: هل يجوز أخذ فوائد على القروض في الظروف الاقتصادية الحالية؟
ج: يجب أن يتم تقييم كل حالة على حدة، مع الأخذ في الاعتبار مبادئ العدل والرحمة والإحسان. يجب تجنب استغلال المحتاجين، والبحث عن طرق بديلة للإقراض، مثل القروض الحسنة. - س: كيف يمكننا تطبيق تعاليم الكتاب المقدس حول الربا في حياتنا اليومية؟
ج: يمكننا تطبيق هذه التعاليم من خلال تجنب الاستغلال، ومساعدة المحتاجين، وتقديم القروض الحسنة، ودعم المؤسسات التي تقدم خدمات مالية عادلة.
تطبيقات روحية لحياتنا اليومية
إن قضية الربا في سفر نحميا ليست مجرد قضية تاريخية، بل هي دعوة لنا اليوم لفحص ضمائرنا وتصحيح مسارنا. يجب علينا أن نتجنب الاستغلال بكل أشكاله، وأن نسعى جاهدين لتحقيق العدل والمساواة في مجتمعاتنا. إن الربا ليس فقط قضية مالية، بل هي قضية روحية تتعلق بمحبة القريب والرحمة والعطاء. فلنكن أمناء على وصايا الرب، ولنسعَ لكي نكون شهوداً للمسيح في عالمنا المضطرب.
في الختام، هل أجاز نحميا الربا أو تغاضى عنه؟ الإجابة واضحة: لم يفعل ذلك بل حاربه بشدة. يجب أن نقتدي بنحميا في غيرته على الحق، وفي سعيه لتحقيق العدالة الاجتماعية، لكي نكون نوراً للعالم وملحاً للأرض. فلنستلهم من سفر نحميا روح التوبة والإصلاح، ولنجعل حياتنا شهادة حية لمحبة الله وعدله.
Tags
نحميا, الربا, الكتاب المقدس, آباء الكنيسة, الأرثوذكسية, العدل, الرحمة, الاستغلال, القروض, الأخلاق
Meta Description
دراسة أرثوذكسية شاملة لسؤال “هل أجاز نحميا الربا أو تغاضى عنه؟” تحليل دقيق للنصوص الكتابية وآراء آباء الكنيسة مع تطبيقات روحية لحياتنا اليومية.