هل يمكن أن يستخدم الله ملوكًا وثنيين؟ نظرة أرثوذكسية عميقة
ملخص تنفيذي:
في صميم الإيمان المسيحي الأرثوذكسي، تكمن حقيقة أن الله، في قدرته المطلقة، يستطيع أن يستخدم أي شخص، حتى أولئك الذين لا يعبدونه، لتحقيق إرادته. هذا البحث العميق يتناول السؤال: هل يمكن أن يستخدم الله ملوكًا وثنيين مثل كورش وأرتحشستا؟ ويستكشف هذا المفهوم من خلال عدسة الكتاب المقدس، وآباء الكنيسة، والتاريخ، ليقدم فهمًا ثريًا ومعمقًا لكيفية عمل الله في العالم. نتناول دراسة شخصيات مثل كورش وأرتحشستا، اللذين استخدما من قبل الله لإعادة بناء الهيكل في أورشليم، ونحلل دوافعهم وأثر أفعالهم، لنظهر أن الله يمكنه توجيه حتى غير المؤمنين لتحقيق مقاصده الإلهية. هذا الفهم يمنحنا رجاءً في عالم مضطرب، ويعزز إيماننا بأن الله يعمل دائمًا لخلاصنا، حتى من خلال الأحداث والأشخاص الذين قد يبدون غير متوقعين.
إن السؤال عن كيفية عمل الله في العالم، خاصة من خلال الأشخاص الذين لا يشتركون في إيماننا، هو سؤال حيوي للإيمان المسيحي. فلنستكشف هذا الموضوع بعمق، مستنيرين بنور الكتاب المقدس وتعليم الآباء.
الله والسيادة: هل هو مقيد بمن يؤمنون به فقط؟
السؤال الأساسي الذي يجب أن نطرحه هو: هل قدرة الله مقيدة فقط بمن يؤمنون به؟ أم أن الله، في سيادته المطلقة، قادر على العمل من خلال أي شخص، سواء كان مؤمنًا أم لا؟ الكتاب المقدس يقدم إجابة واضحة.
- قوة الله المطلقة: الله ليس مقيدًا بأي شيء أو أي شخص. “لأَنَّ عِنْدَ ٱلرَّبِّ ٱلْخَلاَصَ، وَعِنْدَهُ ٱلْفِدَاءَ. وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ.” (مزمور 130: 7-8، Smith & Van Dyke). الله هو مصدر كل قوة وخلاص.
- استخدام الله للوثنيين: تاريخيًا، استخدم الله ملوكًا وثنيين لتحقيق مقاصده. مثال كورش الكبير، ملك فارس، الذي سمح لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل. “هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لِأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأُحَلِّلَ أَحْقَاءَ مُلُوكٍ، لِأَفْتَحَ أَمَامَهُ ٱلْمِصْرَاعَيْنِ، وَٱلْأَبْوَابُ لَا تُغْلَقُ.” (إشعياء 45: 1، Smith & Van Dyke).
- رسالة عالمية: رسالة الخلاص في المسيحية ليست محصورة على مجموعة معينة من الناس. إنها رسالة عالمية للجميع. “اَلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ.” (1 تيموثاوس 2: 4، Smith & Van Dyke).
- دور الخطاة في خطة الله: حتى الخطاة يمكن أن يكون لهم دور في خطة الله. قصص مثل قصة يهوذا الإسخريوطي، الذي خان المسيح، تظهر كيف يمكن لله استخدام حتى الشر لتحقيق الخير الأكبر.
كورش وأرتحشستا: أدوات في يد الله
لنلق نظرة فاحصة على كورش وأرتحشستا، وهما مثالان رئيسيان على كيفية استخدام الله لملوك وثنيين لتحقيق إرادته.
كورش الكبير: محرر شعب الله
كورش الكبير، ملك فارس، شخصية محورية في تاريخ العهد القديم. أمره بالسماح لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل كان عملاً ذا أهمية تاريخية ودينية كبيرة.
- نبوءات حول كورش: تنبأ النبي إشعياء عن كورش قبل ولادته بقرون، مشيرًا إليه بالاسم وأنه سيكون له دور في إعادة بناء أورشليم. هذا يدل على أن الله كان لديه خطة محددة لكورش. “ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلُّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: تُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: تُؤَسَّسُ.” (إشعياء 44: 28، Smith & Van Dyke).
- مرسوم كورش: مرسوم كورش الذي سمح بعودة اليهود هو دليل على أن الله كان يعمل من خلاله. هذا المرسوم لم يكن مجرد عمل سياسي، بل كان تحقيقًا لنبوءة إلهية.
- دوافع كورش: قد تكون دوافع كورش سياسية أو اقتصادية، لكن الكتاب المقدس يوضح أن الله هو الذي حرك قلبه. “ٱلرَّبُّ نَبَّهَ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَأَيْضًا بِٱلْكِتَابَةِ قَائِلًا:” (عزرا 1: 1، Smith & Van Dyke).
أرتحشستا: ممول إعادة البناء
أرتحشستا، ملك فارس أيضًا، لعب دورًا مهمًا في إعادة بناء أسوار أورشليم في عهد نحميا.
- دعم أرتحشستا لنحميا: دعم أرتحشستا لنحميا سمح بإعادة بناء أسوار أورشليم، مما وفر الحماية لشعب الله.
- رسائل إلى نحميا: الرسائل التي أرسلها أرتحشستا إلى نحميا، والتي سمحت له بالذهاب إلى أورشليم وإعادة بناء الأسوار، هي دليل على أن الله كان يعمل من خلاله.
- حماية الله: رغم معارضة الأعداء، استطاع نحميا إكمال بناء الأسوار بفضل حماية الله ودعم أرتحشستا.
آراء آباء الكنيسة
آباء الكنيسة يقدمون لنا رؤى قيمة حول هذا الموضوع.
القديس أغسطينوس، على سبيل المثال، كتب عن سيادة الله واستخدامه للخير حتى من خلال الشر. (De Civitate Dei). وأكد أن الله قادر على توجيه الأحداث والأشخاص لتحقيق مقاصده، حتى لو كانت دوافعهم غير نقية.
القديس يوحنا ذهبي الفم يعلق قائلاً: “Οὐδὲν ἀνθρώπινον, ὅτι μὴ καὶ θεῖον.” (Homiliae in Matthaeum). الترجمة: “لا شيء بشري ليس أيضًا إلهيًا.” هذه العبارة تعني أن الله يتدخل في كل جانب من جوانب حياة الإنسان، حتى في الأمور التي تبدو بشرية بحتة.
وهنا الترجمة العربية:”لا يوجد شيء بشري إلا وهو أيضا إلهي”.
❓ أسئلة شائعة ❓
- س: هل يعني استخدام الله لملوك وثنيين أنه يوافق على وثنيتهم؟
ج: بالطبع لا. استخدام الله لشخص ما لا يعني بالضرورة أنه يوافق على كل شيء يفعله هذا الشخص أو يؤمن به. الله يستخدم الأدوات المتاحة له لتحقيق مقاصده، حتى لو كانت هذه الأدوات غير كاملة.
- س: لماذا يستخدم الله الوثنيين بدلاً من المؤمنين؟
ج: قد يكون هناك عدة أسباب. في بعض الأحيان، قد يكون ذلك بسبب تقصير المؤمنين في القيام بما هو مطلوب منهم. في أحيان أخرى، قد يكون ذلك لاختبار إيمانهم أو لتوبيخهم. في كل الأحوال، فإن استخدام الله للوثنيين لا يقلل من أهمية الإيمان.
- س: هل هذا يعني أننا يجب أن ندعم قادة غير مؤمنين؟
ج: هذا سؤال معقد. نحن مدعوون للصلاة من أجل جميع القادة، سواء كانوا مؤمنين أم لا. لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا يجب أن ندعم كل قراراتهم أو أفعالهم. يجب علينا دائمًا أن نسعى لعمل ما هو صحيح وعادل.
الخلاصة:
في نهاية المطاف، الإيمان بأن الله يمكن أن يستخدم ملوكًا وثنيين مثل كورش وأرتحشستا يقدم لنا رؤية أوسع وأعمق عن كيفية عمل الله في العالم. إنها دعوة للثقة في قدرته المطلقة وسيادته على كل شيء، حتى في الأوقات التي يبدو فيها العالم فوضويًا وغير مفهوم. يجب أن نتذكر دائمًا أن الله يعمل دائمًا لخلاصنا، حتى من خلال الأحداث والأشخاص الذين قد يبدون غير متوقعين. هذا الفهم يمنحنا رجاءً في عالم مضطرب، ويعزز إيماننا بأن الله يعمل دائمًا لخلاصنا.
Tags
الله, كورش, أرتحشستا, وثني, العهد القديم, آباء الكنيسة, السيادة الإلهية, الخلاص, أورشليم, إسرائيل
Meta Description
اكتشف كيف يمكن لله استخدام ملوكًا وثنيين مثل كورش وأرتحشستا لتحقيق إرادته. تحليل أرثوذكسي عميق للدور الإلهي في التاريخ.