هل كان بناء الهيكل في سفر عزرا بتصريح سياسي أم إعلان إلهي؟ نظرة أرثوذكسية
ملخص تنفيذي
يتناول هذا المقال سؤالاً هاماً مطروحاً حول سفر عزرا: هل كان بناء الهيكل الثاني في أورشليم بموجب تصريح سياسي من قورش ملك فارس، أم كان إعلاناً إلهياً وتنفيذاً لوعد الله؟ نبحث في النص الكتابي لسفر عزرا، ونستكشف خلفيته التاريخية والسياسية، ونحلل دوافع قورش، ونستعين بتفاسير آباء الكنيسة الأرثوذكسية لنقدم إجابة شاملة. نؤكد أن بناء الهيكل كان عملاً مزدوجاً، إذ استخدم الله سلطة قورش السياسية لتحقيق مقاصده الإلهية. كما نبين أهمية هذا الحدث في تاريخ الخلاص ودوره في تحقيق نبوات العهد القديم. نقدم رؤية متوازنة تجمع بين فهم الواقع السياسي والاعتراف بسيادة الله وتدخله في التاريخ. إن فهم هذه الحقيقة يساعدنا على رؤية يد الله في كل جوانب حياتنا، حتى في القرارات السياسية والأحداث التاريخية.
يسأل الكثيرون: في سفر عزرا هل كان بناء الهيكل بتصريح سياسي أم إعلان إلهي؟ سؤال يستحق البحث والتأمل. إن فهمنا لهذه القضية يؤثر بشكل كبير على نظرتنا إلى عمل الله في العالم وعلاقته بالسلطات الزمنية. دعونا نتعمق في سفر عزرا لنكتشف الإجابة.
السياق التاريخي والسياسي لسفر عزرا
لفهم طبيعة الأمر الذي صدر من قورش، يجب أن نضع في اعتبارنا السياق التاريخي والسياسي. كانت مملكة بابل قد سقطت على يد قورش الفارسي عام 539 قبل الميلاد، وأصبحت فارس قوة عظمى مهيمنة على المنطقة.
- سقوط بابل: أدى سقوط بابل إلى تغيير جذري في موازين القوى في الشرق الأدنى القديم.
- سياسة قورش: اتسمت سياسة قورش بالتسامح الديني تجاه الشعوب الخاضعة له، وكان يسمح لهم بالعودة إلى أوطانهم وإعادة بناء معابدهم.
- أورشليم تحت الحكم الفارسي: أصبحت أورشليم جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، وخضعت لحكم ولاة فارسيين.
الإعلان الإلهي في قلب التصريح السياسي
على الرغم من أن تصريح قورش يبدو كقرار سياسي بحت، إلا أن الكتاب المقدس يشير بوضوح إلى أنه كان بتحريض إلهي. نقرأ في سفر عزرا (1: 1): “وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، لِكَيْ تَتِمَّ كَلاَمُ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَكَذَا بِالْكِتَابَةِ قَائِلاً:” (Smith & Van Dyke). إن هذه الآية تؤكد أن الله هو من حرك قلب قورش لإصدار هذا التصريح.
يذكر سفر إشعياء (45: 1-6) نبوة صريحة عن قورش قبل ولادته، وكيف أنه سيكون أداة في يد الله لتحقيق مقاصده، ومن بينها بناء الهيكل. هذه النبوة تعزز فكرة أن بناء الهيكل لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان جزءًا من خطة الله الأزلية.
أقوال آباء الكنيسة: يؤكد القديس كيرلس الأورشليمي على هذه الحقيقة قائلاً: “Τίς ἦν ὁ κινούμενος τὸν Κῦρον εἰς τὸ κτίσαι τὸν ναὸν, εἰ μὴ ὁ Θεὸς ὁ ἐνοικήσας ἐν αὐτῷ;” (Catechetical Lectures, 11.10). الترجمة العربية: “من الذي حرك قورش لبناء الهيكل، إلا الله الساكن فيه؟”. والترجمة الإنجليزية: “Who was it that moved Cyrus to build the temple, except God who dwelt in him?”.
دوافع قورش: بين السياسة والإيمان
قد يكون لقورش دوافع سياسية وإستراتيجية لإصدار هذا التصريح، مثل كسب ولاء الشعوب الخاضعة له وتثبيت حكمه. ولكن، لا يمكن تجاهل الجانب الروحي في الأمر. من المحتمل أن قورش كان يؤمن بقوة الآلهة المحلية، ورأى أن تكريمها وإعادة بناء معابدها سيجلب له البركة والنجاح.
- الدافع السياسي: تثبيت الحكم وكسب ولاء الشعوب.
- الدافع الاقتصادي: تشجيع التجارة والازدهار في المناطق الخاضعة له.
- الدافع الروحي: إرضاء الآلهة المحلية وطلب بركتها.
أهمية بناء الهيكل الثاني في تاريخ الخلاص
كان لبناء الهيكل الثاني أهمية كبيرة في تاريخ الخلاص. فهو يمثل استمرار عهد الله مع شعبه، وإعادة تأسيس العبادة الحقيقية في أورشليم. كان الهيكل الثاني هو المكان الذي بشر فيه السيد المسيح وعلم فيه، وهو المكان الذي شهد أحداثًا هامة في حياته ورسالته. كما أن الهيكل الثاني كان رمزًا للكنيسة، جسد المسيح، التي هي هيكل الله الروحي.
❓FAQ
س: هل يعني هذا أن الله يعتمد على الحكام السياسيين لتحقيق مقاصده؟
ج: لا، الله لا يعتمد على أحد. الله قادر على تحقيق مقاصده بأي طريقة يراها مناسبة. ولكنه في كثير من الأحيان يستخدم الأشخاص والسلطات المتاحة لتحقيق خططه، وهذا لا ينتقص من سيادته وقدرته المطلقة.
س: ما هي الدروس المستفادة من قصة بناء الهيكل الثاني؟
ج: نتعلم من هذه القصة أن الله يسيطر على التاريخ، وأن خططه لا يمكن أن تفشل. كما نتعلم أن الله يستخدم الأشخاص العاديين والسلطات الزمنية لتحقيق مقاصده، وأن علينا أن نثق به ونسلم له حياتنا.
س: كيف يمكننا تطبيق هذه الدروس في حياتنا اليومية؟
ج: يمكننا تطبيق هذه الدروس بالثقة في أن الله يدبر كل شيء في حياتنا، حتى في الأوقات الصعبة والظروف غير المتوقعة. كما يمكننا أن نكون أدوات في يد الله لتحقيق مقاصده في العالم، وذلك من خلال خدمتنا للآخرين وشهادتنا للإنجيل.
الخلاصة
إن قصة بناء الهيكل الثاني في سفر عزرا تقدم لنا رؤية عميقة لعمل الله في التاريخ. في سفر عزرا هل كان بناء الهيكل بتصريح سياسي أم إعلان إلهي؟ الإجابة هي أنه كان كلاهما. لقد استخدم الله سلطة قورش السياسية لتحقيق مقاصده الإلهية، وهذا يذكرنا بأن الله يسيطر على كل شيء، وأن خططه لا يمكن أن تفشل. دعونا نثق في الله ونسلم له حياتنا، فهو قادر على أن يستخدمنا لتحقيق مقاصده في العالم. فلنتذكر أن الله قادر على أن يستخدم حتى القرارات السياسية لتحقيق خطته الخلاصية. علينا أن نرى يده في كل شيء، وأن نثق في حكمته وتدبيره.
Tags
سفر عزرا, بناء الهيكل, قورش, إعلان إلهي, تصريح سياسي, تاريخ الخلاص, آباء الكنيسة, أورشليم, العهد القديم, الله
Meta Description
هل كان بناء الهيكل في سفر عزرا بتصريح سياسي أم إعلان إلهي؟ استكشف الدور المزدوج لقورش الفارسي وأهمية هذا الحدث في تاريخ الخلاص من منظور أرثوذكسي.