هل الله ظالم؟ نظرة أرثوذكسية إلى إدانة الأمم في سفر عاموس

مُلَخَّص تنفيذي

إن إدانة الأمم في سفر عاموس (الأصحاحين 1 و 2) تثير تساؤلات عميقة حول عدالة الله. هل من العدل أن يُحاسب الله شعوبًا لم تتلقَّ الشريعة كما فعل مع إسرائيل؟ هذا البحث، من منظور أرثوذكسي قبطي، يهدف إلى استكشاف هذا السؤال الشائك. سنقوم بتحليل سياق سفر عاموس التاريخي والجغرافي، واستعراض تعاليم آباء الكنيسة حول عدالة الله ورحمته، ودراسة مبدأ المسؤولية الأخلاقية العالمية التي تقع على عاتق جميع البشر، بغض النظر عن معرفتهم بالشريعة الموسوية. سنوضح أن الله لا يعاقب الأمم بشكل تعسفي، بل بناءً على انتهاكاتهم للمعايير الأخلاقية الأساسية التي يعرفونها بالفطرة والضمير. إن فهمنا لهذا الموضوع يقودنا إلى تعميق إيماننا بعدالة الله ورحمته، ويحثنا على السعي للبر والقداسة في حياتنا اليومية. هل الله ظالم؟ هذا السؤال سنحاول الإجابة عليه بتفصيل وبأدلة قوية.

يتناول هذا البحث إشكالية عظيمة: كيف يمكن فهم عدالة الله في ضوء إدانته للأمم في سفر عاموس؟ سؤال يطرح نفسه بقوة ويدعونا إلى التأمل العميق في طبيعة الله وعلاقته بالبشرية جمعاء.

إشكالية عدالة الله في سفر عاموس

تبدأ نبوات عاموس بإدانة الأمم المحيطة بإسرائيل (أرام، فلسطين، صور، أدوم، عمون، وموآب) بسبب جرائمهم وأفعالهم الوحشية. يثير هذا الأمر تساؤلاً مشروعاً: ألم يكن من المفترض أن يُحاسب الله إسرائيل وحدها، باعتبارها الشعب الذي أُعطي الشريعة؟

سياق سفر عاموس التاريخي والجغرافي

  • عاموس النبي: كان عاموس راعي غنم وجامع جميز من تقوع (عاموس 1:1) في مملكة يهوذا، وأرسله الله ليتنبأ في مملكة إسرائيل الشمالية خلال حكم يربعام الثاني (حوالي 760 قبل الميلاد). كانت هذه الفترة تتميز بالازدهار المادي، ولكن أيضًا بالظلم الاجتماعي والفساد الديني.
  • الجغرافيا: كانت الأمم التي أدانها عاموس تقع حول إسرائيل، وتتأثر بها ثقافيًا واقتصاديًا. كانت علاقاتها بإسرائيل متوترة بسبب الحروب والنزاعات الحدودية.
  • البيئة الحضرية: ازدهرت المدن في تلك الفترة، ولكن هذا الازدهار جاء على حساب الفقراء والمحتاجين. كان الظلم الاجتماعي متفشياً، وكان الأغنياء يستغلون الفقراء.

المسؤولية الأخلاقية العالمية

إن أساس إدانة الأمم في سفر عاموس يكمن في مبدأ المسؤولية الأخلاقية العالمية. الله لم يُعطِ الشريعة لإسرائيل فقط، بل أعطى كل البشرية ضميرًا يميز بين الخير والشر.

  • الناموس الطبيعي: يشير بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية (رومية 2: 14-15) إلى أن الأمم التي ليس لديها شريعة، تفعل بالطبيعة ما هو في الناموس، فهذه إذ ليس لها الناموس هي ناموس لنفسها، مبينين عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم، شاهدا أيضا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة.
  • الضمير: الضمير هو صوت الله في داخل الإنسان، وهو يرشده إلى الحق والعدل. عندما يتجاهل الإنسان ضميره، فإنه يرتكب خطيئة ويعرض نفسه للدينونة.
  • أمثلة من سفر عاموس:
    • دمشق (أرام): عوقبت لأنها دست جلعاد بنوارج من حديد (عاموس 1: 3). هذا يشير إلى قسوة وحشية غير إنسانية.
    • غزة (فلسطين): عوقبت لأنها سبت سبياً كاملاً وسلمته إلى أدوم (عاموس 1: 6). هذا يشير إلى تجارة الرقيق وانتهاك حقوق الإنسان.
    • صور: عوقبت لأنها لم تذكر عهد الأخوة (عاموس 1: 9). هذا يشير إلى خيانة العهود والمواثيق.

آباء الكنيسة وعدالة الله

لقد تناول آباء الكنيسة موضوع عدالة الله ورحمته باستفاضة. يؤكدون أن الله عادل ورحيم في آن واحد، وأن أحكامه مبنية على معرفته الكاملة بقلوب البشر وأفعالهم.

يقول القديس أغسطينوس (Augustine of Hippo) باللاتينية:

“Deus, qui creavit te sine te, non salvabit te sine te.”

وترجمتها بالإنجليزية: “God who created you without you, will not save you without you.”

وترجمتها بالعربية: “الله الذي خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك.”

(Source: Augustine, Sermon 169, 13)

هذه المقولة تعكس أن الله يعطي الإنسان حرية الاختيار، وبالتالي فهو مسؤول عن أفعاله. إن الله يدعو الجميع إلى التوبة والخلاص، ولكنه لا يجبر أحدًا على ذلك.

هل من العدل أن يُعاقب الله شعوبًا لم تستلم الشريعة مثل إسرائيل؟

السؤال ليس هل هو عدل، بل لماذا يتجاهل البعض الحق الذي يظهر لهم بوضوح؟ الله لم يُعطِ الشريعة لإسرائيل فقط، بل وهب كل إنسان القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ. إدانة الأمم في سفر عاموس ليست انتقاماً أعمى، بل هي نتيجة طبيعية لرفضهم للحق واختيارهم للشر.

  • المعيار الأخلاقي: المعيار الأخلاقي ليس محصورًا في الشريعة الموسوية، بل هو أوسع من ذلك. إنه يشمل المبادئ الأخلاقية الأساسية التي يعرفها كل البشر، مثل احترام الحياة، والصدق، والعدل، والإحسان.
  • المسؤولية النسبية: قد تكون مسؤولية إسرائيل أكبر بسبب معرفتهم بالشريعة، ولكن هذا لا يعني أن الأمم الأخرى معفاة من المسؤولية. كل إنسان سيُحاسب بحسب ما أُعطي له (لوقا 12: 48).
  • الرحمة الإلهية: يجب أن نتذكر دائمًا أن الله رحيم ومتحنن، طويل الأناة وكثير الرحمة (مزمور 103: 8). إنه لا يسر بموت الشرير، بل بأن يرجع ويتوب (حزقيال 33: 11).

FAQ ❓

  • س: هل إدانة الأمم في سفر عاموس تتعارض مع محبة الله؟

    ج: لا، بل هي تعبير عن محبة الله للعدل والحق. الله لا يمكن أن يتجاهل الشر والظلم، وإلا فإنه لن يكون عادلاً. إدانة الأمم هي دعوة لهم للتوبة والرجوع إلى الله.

  • س: هل الله يعاقب الأبرياء مع الأشرار؟

    ج: الله لا يعاقب الأبرياء. في سفر التكوين (تكوين 18: 25)، يقول إبراهيم: “حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تقتل البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك! ألا يدين كل الأرض بالعدل؟” الله عادل ورحيم، وهو يعرف كيف يميز بين الأبرياء والأشرار.

  • س: كيف يمكننا تطبيق هذه التعاليم في حياتنا اليومية؟

    ج: يمكننا تطبيق هذه التعاليم من خلال السعي للبر والقداسة في حياتنا، والعمل على تحقيق العدل والمساواة في مجتمعنا، ومحبة جميع الناس، حتى أعدائنا، والصلاة من أجلهم.

  • س: ما هي الدروس المستفادة من إدانة الأمم في سفر عاموس؟

    ج: الدروس المستفادة هي أن الله عادل ورحيم، وأن كل إنسان مسؤول عن أفعاله، وأننا يجب أن نسعى للبر والقداسة في حياتنا، وأن نعمل على تحقيق العدل والمساواة في مجتمعنا.

خاتمة

إن إدانة الأمم في سفر عاموس لا تمثل تعارضًا مع عدالة الله، بل هي تأكيد عليها. الله يحاسب الجميع، سواء كانوا يعرفون الشريعة أم لا، بناءً على معايير أخلاقية عالمية. إن هذا الفهم يدعونا إلى التأمل في حياتنا، وفحص ضمائرنا، والسعي للبر والقداسة. علينا أن ندرك أن الله رحيم ومتحنن، ولكنه أيضًا عادل وحازم. يجب أن نختار طريق الحق والعدل، وأن نرفض الشر والظلم. تذكر دائماً أن الله يريد خلاص جميع الناس، وعلينا أن نكون أدوات لرحمته في هذا العالم. هل الله ظالم؟ بالطبع لا! بل هو الحق والعدل ذاته.

Tags

عاموس, عدالة الله, إدانة الأمم, المسئولية الأخلاقية, الشريعة, الناموس الطبيعي, آباء الكنيسة, الأرثوذكسية القبطية, الظلم, الرحمة

Meta Description

هل الله ظالم؟ بحث أرثوذكسي قبطي في إدانة الأمم في سفر عاموس، يتناول عدالة الله ورحمته ومسؤولية الأمم التي لم تستلم الشريعة. اكتشف المعنى العميق للعدالة الإلهية.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *