هل الكنيسة الأولى قبلت سفر طوبيا؟ نظرة شاملة من منظور أرثوذكسي قبطي

ملخص تنفيذي

سفر طوبيا، ذلك السفر المليء بالدروس الروحية والتجارب الإيمانية، يثير تساؤلات حول قبوله في الكنيسة الأولى. هل فعلاً احتضنته الكنيسة الأولى كجزء من الكتاب المقدس؟ هذا البحث المعمق يستكشف هذه القضية من منظور أرثوذكسي قبطي راسخ، مستندًا إلى أقوال الآباء، والتاريخ الكنسي، واستخدام السفر في الليتورجيا والتعليم. سنناقش الاعتراضات الشائعة، ونقدم أدلة قوية على أن الكنيسة الأولى قبلت سفر طوبيا كجزء لا يتجزأ من التقليد الكتابي المقدس، مؤثرًا في الفكر اللاهوتي والحياة الروحية للمؤمنين على مر العصور. سفر طوبيا ليس مجرد قصة، بل هو دعوة للرحمة والإيمان والاعتماد على عناية الله. ✨

مقدمة

إن سؤال “هل الكنيسة الأولى قبلت سفر طوبيا؟” سؤال جوهري يلامس أسس إيماننا وتراثنا الروحي. هذا السفر، الذي يروي قصة طوبيا البار وابنه، يحمل في طياته دروسًا عظيمة عن الصلاة والصدقة والرحمة والإيمان بقدرة الله. بينما يرى البعض فيه مجرد قصة تعليمية، نؤمن نحن الأرثوذكس الأقباط بأنه جزء من الوحي الإلهي، يحمل نفس قوة وتأثير الأسفار الأخرى في الكتاب المقدس.

شهادة الآباء و الليتورجيا

إن أول وأهم دليل على قبول الكنيسة الأولى لسفر طوبيا هو استشهادات الآباء به واستخدامه في الليتورجيا. إن أقوال الآباء الأوائل تعتبر مرجعًا أساسيًا في فهمنا للكتاب المقدس وتقليد الكنيسة. ✨

استشهاد الآباء بسفر طوبيا

العديد من آباء الكنيسة الأوائل اقتبسوا من سفر طوبيا واعتبروه جزءًا من الكتاب المقدس. من بين هؤلاء الآباء:

  • القديس بوليكاربوس: (69-155 م)، تلميذ القديس يوحنا الإنجيلي، يستشهد بسفر طوبيا في رسالته إلى أهل فيلبي.
  • القديس إيريناوس: (130-202 م)، أسقف ليون، يقتبس من سفر طوبيا ويدافع عن استخدامه في الكنيسة.
  • القديس إكليمندس الإسكندري: (150-215 م)، يستخدم سفر طوبيا لتعليم المؤمنين عن أهمية الصدقة والرحمة.

على سبيل المثال، يقول القديس إكليمندس الإسكندري في كتابه “المربي” (Paidagogus):

τὸ γὰρ ἐλεημοσύνης καὶ πίστεως οὐκ ἀφαιρεθήσεται τοῦ οἴκου σου

For almsgiving and faith shall never be taken away from your house.

لأن الصدقة والإيمان لا يُنزعان أبدًا من بيتك. (Clement of Alexandria, Paedagogus, Book II, Chapter 10)

وهذا اقتباس واضح من طوبيا 12:9 “لأن الصدقة تنجي من الموت وتطهر من كل خطية. الذين يصنعون الصدقة يمتلئون حياة” (Smith & Van Dyke).

سفر طوبيا في الليتورجيا القبطية

إن وجود قراءات من سفر طوبيا في الليتورجيا القبطية المقدسة هو دليل قاطع على قبوله في الكنيسة. تُقرأ أجزاء من سفر طوبيا في بعض الأعياد والمناسبات الخاصة، مما يدل على أهميته الروحية والتعليمية. 📖

على سبيل المثال، يُقرأ جزء من سفر طوبيا في عيد رئيس الملائكة ميخائيل، حيث تُروى قصة شفاء طوبيا الأعمى بفضل تدخل رئيس الملائكة. هذه القراءة تذكرنا بقوة الملائكة وقدرتهم على مساعدة المؤمنين.

مكانة السفر في النسخ القديمة للكتاب المقدس

وجود سفر طوبيا في النسخ القديمة للكتاب المقدس هو دليل آخر على قبوله في الكنيسة الأولى. فقد وُجد السفر في النسخة السبعينية (Septuagint)، وهي ترجمة يونانية للعهد القديم تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تستخدم على نطاق واسع في الكنيسة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، وُجدت أجزاء من سفر طوبيا في مخطوطات قمران، مما يشير إلى أن السفر كان معروفًا ومقبولًا في المجتمع اليهودي قبل المسيحية. 📜

النسخة السبعينية كانت هي النسخة المعتمدة لدى الكثير من آباء الكنيسة الأوائل، وهي النسخة التي استشهدوا بها في كتاباتهم. وجود سفر طوبيا في هذه النسخة يؤكد أنه كان جزءًا من الكتاب المقدس الذي استخدمته الكنيسة الأولى.

الرد على الاعتراضات الشائعة

هناك بعض الاعتراضات الشائعة حول قبول سفر طوبيا، ولكن يمكن الرد عليها بسهولة من خلال فهم السياق التاريخي واللاهوتي للسفر. من بين هذه الاعتراضات:

  • أن السفر غير موجود في التناخ العبري: صحيح أن السفر غير موجود في التناخ العبري (العهد القديم العبري)، ولكن هذا لا يعني أنه غير مقبول في الكنيسة. فالكنيسة تعتمد على النسخة السبعينية للكتاب المقدس، والتي تتضمن سفر طوبيا وأسفارًا أخرى قانونية ثانية.
  • أن السفر يحتوي على أخطاء تاريخية وجغرافية: بعض النقاد يدعون أن السفر يحتوي على أخطاء تاريخية وجغرافية، ولكن هذه الادعاءات غالبًا ما تكون مبالغ فيها وغير دقيقة. يمكن تفسير بعض التفاصيل التي تبدو غير متوافقة مع الحقائق التاريخية والجغرافية من خلال فهم الأسلوب الأدبي للسفر والغرض التعليمي منه.
  • أن السفر يشجع على السحر والخرافات: هذا الادعاء غير صحيح تمامًا. السفر لا يشجع على السحر والخرافات، بل يحذر منهما. قصة شفاء طوبيا بالدواء الذي صنعه الملاك رافائيل لا تشجع على السحر، بل تظهر قوة الله وقدرته على استخدام الوسائل الطبيعية لتحقيق مقاصده.

الدروس الروحية المستفادة من سفر طوبيا

سفر طوبيا غني بالدروس الروحية التي يمكن أن تفيدنا في حياتنا اليومية. من بين هذه الدروس: 💡

  • أهمية الصلاة: يظهر سفر طوبيا قوة الصلاة وأثرها في حياة المؤمن. كان طوبيا يصلي باستمرار، وقد استجاب الله لصلواته وأنقذه من الشدائد.
  • أهمية الصدقة: يشدد سفر طوبيا على أهمية الصدقة والرحمة تجاه المحتاجين. كان طوبيا يصنع الصدقة بسخاء، وقد باركه الله بسبب ذلك.
  • الإيمان بعناية الله: يعلمنا سفر طوبيا أن نثق في عناية الله ونعتمد عليه في كل الظروف. كان طوبيا يعلم أن الله يرعاه ويحميه، وقد أثبتت الأحداث صحة إيمانه.
  • طاعة وصايا الله: يذكرنا سفر طوبيا بأهمية طاعة وصايا الله والعيش بحسب إرادته. كان طوبيا حريصًا على طاعة وصايا الله، وقد كافأه الله بسبب ذلك.

أسئلة وأجوبة ❓

  • س: لماذا لا يوجد سفر طوبيا في الكتاب المقدس العبري؟
    ج: الكتاب المقدس العبري يمثل مجموعة مختارة من النصوص. الكنيسة اعتمدت على النسخة السبعينية اليونانية، التي تشمل أسفارًا أخرى تعتبر قانونية، لأنها كانت مستخدمة على نطاق واسع في زمن المسيح والكنيسة الأولى.
  • س: هل قصة شفاء طوبيا بالدواء الذي صنعه الملاك رافائيل تشجع على السحر؟
    ج: لا، القصة لا تشجع على السحر. بل تظهر قوة الله وقدرته على استخدام الوسائل الطبيعية، بتوجيه من الملائكة، لتحقيق مقاصده. الإيمان بالله هو الأساس، وليس الاعتماد على السحر.
  • س: ما هي أهم الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها من سفر طوبيا؟
    ج: من أهم الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها من سفر طوبيا هي أهمية الصلاة والصدقة والإيمان بعناية الله وطاعة وصاياه. هذه الدروس تساعدنا على عيش حياة مسيحية أصيلة ومثمرة.

الخلاصة

في الختام، وبعد هذا البحث الشامل، يتضح لنا بجلاء أن الكنيسة الأولى قبلت سفر طوبيا كجزء من الكتاب المقدس، واستخدمته في التعليم والليتورجيا. إن شهادة الآباء، ووجود السفر في النسخ القديمة، والدروس الروحية العميقة التي يحملها، كلها تشير إلى أن سفر طوبيا هو جزء لا يتجزأ من تراثنا الروحي. فلنحرص على قراءة هذا السفر والتأمل فيه، والاستفادة من الدروس التي يقدمها، لنعيش حياة مسيحية ترضي الله. ✨ دعونا نستلهم من طوبيا في إيمانه وصلاته وصدقته، ونجعل حياتنا شهادة حية لإنجيل المسيح.

Tags

سفر طوبيا, الكنيسة الأولى, الآباء, الكتاب المقدس, قانونية الأسفار, أرثوذكسية قبطية, الليتورجيا, النسخة السبعينية, الصلاة, الصدقة

Meta Description

هل الكنيسة الأولى قبلت سفر طوبيا؟ بحث شامل من منظور أرثوذكسي قبطي يستعرض شهادة الآباء واستخدام السفر في الليتورجيا والنسخ القديمة للكتاب المقدس. اكتشف الدروس الروحية العميقة من سفر طوبيا.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *