هل طلب الانتقام من الأمم في المزمور 79 يتعارض مع وصية محبة الأعداء؟ نظرة أرثوذكسية
ملخص تنفيذي
يثير سؤال هل طلب الانتقام من الأمم في المزمور 79 يتعارض مع وصية محبة الأعداء؟ إشكالية معقدة تستدعي فهمًا عميقًا للسياق الكتابي، ولاهوت العهدين، وتعليم الآباء. يهدف هذا المقال إلى تفكيك هذه الإشكالية من منظور أرثوذكسي قبطي، موضحًا أن طلب الانتقام في المزمور ليس دعوة شخصية إلى الكراهية أو العنف، بل هو صرخة استغاثة إلى الله من أجل العدالة وإنقاذ شعبه المختار. سوف نستعرض السياق التاريخي للمزمور، وندرس طبيعة الغضب الإلهي، ونقارنه بوصية محبة الأعداء كما علمها السيد المسيح، ونستنير بأقوال الآباء وتعليم الكنيسة الأرثوذكسية لنقدم فهمًا متوازنًا وشاملًا. إن فهم الفرق بين الغضب المقدس والسعي الشخصي للانتقام هو المفتاح لحل هذه المعضلة. هذا المقال يقدم رؤية واضحة لهذه التساؤلات.
تثير بعض نصوص الكتاب المقدس، مثل المزمور 79، أسئلة حول التوفيق بين العدالة الإلهية ومحبة الأعداء. هذا المقال سيتناول هذه التساؤلات من منظور أرثوذكسي قبطي، مستنيرًا بالكتاب المقدس والتقليد الكنسي وتعليم الآباء.
السياق التاريخي واللاهوتي للمزمور 79
لفهم المزمور 79 بشكل صحيح، يجب علينا أولاً أن ندرك السياق التاريخي واللاهوتي الذي كُتب فيه. يُعتقد أن هذا المزمور كُتب في فترة عصيبة من تاريخ إسرائيل، ربما بعد تدمير أورشليم والهيكل على يد البابليين. يصف المزمور حالة من الخراب والدمار والمعاناة الشديدة التي حلت بالشعب المختار.
المزمور 79 يمثل صرخة يائسة إلى الله من أجل التدخل وإنقاذ شعبه من أيدي الأعداء. إليكم بعض النقاط الرئيسية:
- 📖 وصف الخراب: “يا اَللهُ، دَخَلَتِ الأُمَمُ مُلْكَكَ. نَجَّسُوا هَيْكَلَ قُدْسِكَ. جَعَلُوا أُورُشَلِيمَ أَكْوَامًا” (Smith & Van Dyke, مزمور 79:1). هذا يوضح مدى فداحة الوضع بالنسبة للكاتب.
- 💔 معاناة الشعب: “سَفَكُوا دَمَ عَبِيدِكَ حَوْلَ أُورُشَلِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ دَافِنٌ” (Smith & Van Dyke, مزمور 79:3). هذا يظهر حجم الفقد والمعاناة.
- 🙏 طلب الانتقام: “اِسْكُبْ غَضَبَكَ عَلَى الأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوكَ، وَعَلَى الْمَمَالِكِ الَّتِي لَمْ تَدْعُ بِاسْمِكَ” (Smith & Van Dyke, مزمور 79:6). هذه هي النقطة التي تثير السؤال الرئيسي في هذا المقال.
يجب أن نفهم أن هذا الطلب بالانتقام ليس تعبيرًا عن كراهية شخصية، بل هو صرخة من أجل العدالة الإلهية. إنه يعكس إيمانًا راسخًا بأن الله هو الديان العادل الذي سينتقم لشعبه من أعدائهم.
الغضب الإلهي والعدالة الإلهية
من المهم أن نميز بين الغضب الإلهي والغضب البشري. الغضب الإلهي ليس انفعالًا عاطفيًا جامحًا، بل هو استجابة عادلة للشر والظلم. إنه تعبير عن محبة الله للعدل وحمايته لشعبه.
الغضب الإلهي، كما يتضح من الكتاب المقدس، له أغراض مقدسة:
- ✨ تأكيد القداسة: يظهر الغضب الإلهي قداسة الله المطلقة ونفوره من الشر.
- 💡 إقرار العدالة: يؤكد الغضب الإلهي أن الله لن يتجاهل الظلم وسيجازي الأشرار على أفعالهم.
- 🕊️ حماية شعبه: يحمي الغضب الإلهي شعب الله من أعدائهم ويحافظ على عهده معهم.
يقول القديس كيرلس الإسكندري (تفسير إشعياء 49:26): “οὐ γὰρ μισεῖ τοὺς ἀνθρώπους ὁ Θεός, ἀλλὰ τὴν κακίαν” (ou gar misei tous anthrōpous ho Theos, alla tēn kakian) (الله لا يكره الناس، بل يكره الشر). Arabic translation: “الله لا يكره البشر، بل يكره الشر.” هذا القول يلخص جوهر الفرق بين الغضب الإلهي والانتقام البشري.
محبة الأعداء في العهد الجديد
وصية محبة الأعداء هي إحدى أهم تعاليم السيد المسيح في العهد الجديد. قال الرب يسوع: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” (Smith & Van Dyke, متى 5:44).
كيف نوفق بين هذه الوصية وطلب الانتقام في المزمور 79؟ الجواب يكمن في فهم طبيعة المحبة المسيحية. المحبة المسيحية ليست مجرد شعور عاطفي، بل هي قرار واعٍ بالخير للآخرين، حتى لأعدائنا. إنها تتضمن الصلاة من أجلهم، والرغبة في خلاصهم، والعمل من أجل خيرهم.
لا تتعارض محبة الأعداء مع الرغبة في العدالة. يمكننا أن نصلي من أجل خلاص أعدائنا وفي الوقت نفسه نطلب من الله أن يحقق العدالة في العالم. العدالة الإلهية هي في نهاية المطاف لصالح الجميع، بما في ذلك الأشرار، لأنها تدعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الله.
نظرة الآباء على الانتقام ومحبة الأعداء
الآباء القدّيسون قدموا تفسيرات قيّمة لهذه المسألة. لقد أكدوا على أهمية محبة الأعداء، لكنهم أيضًا أقروا بشرعية الغضب المقدس ضد الشر.
- 📜 القديس أغسطينوس: “أحبوا الأعداء، صلوا من أجل المضطهدين، ولكن لا تحبوا خطاياهم.”
- 💡 القديس يوحنا الذهبي الفم: “محبة الأعداء لا تعني الموافقة على أفعالهم الشريرة، بل تعني الرغبة في خلاصهم وتغييرهم.”
- ✨ القديس مكاريوس الكبير: “يجب أن نكره الشر الذي في أعدائنا، ولكن لا نكره أعدائنا أنفسهم.”
هذه الأقوال تؤكد على أن محبة الأعداء لا تعني التساهل مع الشر أو التغاضي عن الظلم. بل تعني أن نسعى إلى خير الجميع، بما في ذلك أولئك الذين يسيئون إلينا.
تطبيقات روحية لحياتنا اليوم
كيف يمكننا تطبيق هذه التعاليم في حياتنا اليومية؟
- 🙏 الصلاة من أجل الأعداء: بدلًا من أن نغضب من أعدائنا، يجب أن نصلي من أجلهم، طالبين من الله أن يهديهم ويغير قلوبهم.
- 🕊️ العمل من أجل السلام: يجب أن نسعى جاهدين لنشر السلام والمحبة في العالم، حتى بين أولئك الذين يختلفون معنا.
- 💡 التسامح والغفران: يجب أن نكون مستعدين للتسامح مع أولئك الذين يسيئون إلينا، وغفران أخطائهم، كما غفر لنا الله خطايانا.
- ✨ السعي لتحقيق العدالة: يجب أن نسعى لتحقيق العدالة في مجتمعاتنا، ولكن بطرق سلمية ومحبة.
FAQ ❓
س: هل يجوز للمسيحي أن يغضب؟
ج: نعم، يجوز للمسيحي أن يغضب على الشر والظلم، ولكن يجب أن يكون غضبه مقدسًا وخاليًا من الكراهية والانتقام الشخصي. يجب أن يكون غضبنا نابعًا من محبة الله للعدل ورغبتنا في الخير للجميع.
س: كيف يمكنني أن أحب أعدائي عندما يؤذونني بشدة؟
ج: محبة الأعداء ليست سهلة، ولكنها ممكنة بنعمة الله. ابدأ بالصلاة من أجلهم، وحاول أن تفهم دوافعهم، وتذكر أنهم أيضًا بشر ضعفاء يحتاجون إلى رحمة الله. ركز على الخير الذي فيهم، وتجنب التركيز على الشر الذي يفعلونه.
س: هل طلب الانتقام في المزمور 79 يتناقض مع تعليم السيد المسيح؟
ج: ليس بالضرورة. يمكن فهم طلب الانتقام في المزمور 79 على أنه صرخة من أجل العدالة الإلهية، وليس دعوة إلى الانتقام الشخصي. يجب أن نفسر الكتاب المقدس في ضوء الكتاب المقدس ككل، وتعليم السيد المسيح عن محبة الأعداء هو جزء أساسي من هذا الفهم.
س: ما هو الفرق بين الغضب المقدس والانتقام الشخصي؟
ج: الغضب المقدس هو استجابة عادلة للشر والظلم، نابعة من محبة الله للعدل. أما الانتقام الشخصي فهو سعي إلى إلحاق الأذى بالآخرين بدافع الكراهية والرغبة في الانتقام. الغضب المقدس يسعى إلى تحقيق العدالة وإصلاح الأمور، بينما الانتقام الشخصي يسعى إلى إشباع الرغبة في الانتقام.
خاتمة
في الختام، فإن سؤال هل طلب الانتقام من الأمم في المزمور 79 يتعارض مع وصية محبة الأعداء؟ سؤال جوهري. لا يتعارض طلب الانتقام في المزمور 79 مع وصية محبة الأعداء إذا فهمناه على أنه صرخة من أجل العدالة الإلهية وليس دعوة إلى الكراهية والانتقام الشخصي. يجب أن نسعى إلى تحقيق العدالة في العالم، ولكن بطرق سلمية ومحبة، وأن نصلي من أجل خلاص أعدائنا، متذكرين أن الله يحب الجميع ويريد أن يخلصهم. محبة الأعداء هي دعوة إلى التسامح، والرحمة، والرغبة في الخير للجميع. يجب أن نقتدي بالسيد المسيح الذي صلى من أجل صالبيه وقال: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (Smith & Van Dyke, لوقا 23:34). فلنجاهد لنكون أبناءً للنور، ناشرين محبة المسيح في كل مكان.