هل الله يتجاهل صراخ المظلوم؟ نظرة أرثوذكسية لمزمور 13
ملخص تنفيذي
يُعد مزمور 13 صرخةً عميقةً من قلبٍ يعاني، يتساءل: هل الله يتجاهل صراخ المظلوم؟. هذا السؤال، الذي يتردد صداه عبر العصور، يلامس جوهر إيماننا ويطرح تحديًا لفهمنا لمُحبة الله وعنايته. من خلال نظرة أرثوذكسية قبطية، سنستكشف هذا المزمور في سياقه التاريخي، الروحي، والعقائدي، مستندين إلى الكتاب المقدس بعهديه، الأسفار القانونية الثانية، أقوال الآباء، وعلم اللاهوت الأرثوذكسي. سنُظهر كيف أن هذا المزمور، على الرغم من ظاهره، يعكس إيمانًا راسخًا بالله الحي الذي يسمع ويستجيب. سنناقش معاني التخلي الظاهري، وأهمية الصلاة المستمرة، وقوة الرجاء في وجه الضيقات، وكيف يمكن لهذا المزمور أن يكون مصدر تعزية وقوة للمؤمنين اليوم، مؤكدين أن الله لا يتجاهل صراخ المظلوم، بل يستجيب له بطرق تفوق فهمنا.
قد يبدو مزمور 13 سؤالًا صعبًا، بل ومزعزعًا للإيمان. كيف يمكن أن يصرخ المؤمن إلى الله، ثم يشعر وكأنه لا يسمع؟ هذا المزمور، على الرغم من قتامته الظاهرية، يحمل في طياته مفتاحًا لفهم أعمق لعلاقتنا بالله في أوقات الشدة.
تأملات في مزمور 13: نظرة أرثوذكسية قبطية
يبدأ المزمور بسلسلة من الأسئلة الملحّة التي تعبر عن شعور عميق بالتخلي والوحدة:
- إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي إِلَى الأَبَدِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ (مزمور 13: 1 Smith & Van Dyke)
هذا السؤال، إلى متى يا رب؟، يعكس تجربة إنسانية عالمية. فكم مرة شعرنا بأن الله بعيد، غير مبالٍ بمعاناتنا؟
الشعور بالتخلي: حقيقة أم وهم؟
إن الشعور بالتخلي ليس بالضرورة دليلاً على غياب الله. يقول القديس أثناسيوس الرسولي:
“Οὐ γὰρ ἀποστρέφεται ὁ Θεὸς ἀφ’ ἡμῶν, ἀλλ’ ἡμεῖς ἀποστρεφόμεθα ἀπ’ αὐτοῦ.” (Athanasius, Contra Gentes 46. PG 25:89A)
“For God does not turn away from us, but we turn away from Him.”
“لأن الله لا ينصرف عنا، بل نحن ننصرف عنه.”
قد يكون الشعور بالتخلي ناتجًا عن خطايانا، انشغالنا بالأمور الدنيوية، أو حتى اختبارات يسمح بها الله لتقوية إيماننا.
الصلاة المستمرة: مفتاح العلاقة مع الله
على الرغم من شعوره بالتخلي، لم يتوقف المرنم عن الصلاة. بل استمر في الصراخ إلى الله، طالبًا رحمته ومعونته.
- إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ؟ إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ؟ (مزمور 13: 2 Smith & Van Dyke)
الصلاة المستمرة، حتى في أوقات الشدة، هي علامة على إيمان حي. يقول القديس إسحاق السرياني:
“ܨܠܘܬܐ ܗܝ ܬܪܥܐ ܕܥܠ ܡܠܟܘܬܐ” (Isaac the Syrian, Ascetical Homilies, Homily 55)
“Prayer is the door to the Kingdom.”
“الصلاة هي باب الملكوت.”
لا يجب أن نتوقف عن قرع باب السماء بالصلاة، حتى لو شعرنا بأنه موصد.
الرجاء في وسط الضيق: نور في الظلام
ينتقل المزمور من اليأس إلى الرجاء، معبرًا عن ثقة المرنم في رحمة الله:
- أُنْظُرْ وَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ إِلهِي. أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ، (مزمور 13: 3 Smith & Van Dyke)
- أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاَصِكَ. أُغَنِّي لِلرَّبِّ لأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ. (مزمور 13: 5-6 Smith & Van Dyke)
هذا التحول من اليأس إلى الرجاء هو جوهر الإيمان المسيحي. حتى في أحلك الظروف، يمكننا أن نجد نور الرجاء في رحمة الله.
القديس أغسطينوس يقول: “Hope has two beautiful daughters; their names are Anger and Courage. Anger at the way things are, and Courage to see that they do not remain the way they are.“
لماذا يبدو أن الله يتجاهل صرخاتنا؟
قد يبدو أن الله يتجاهل صرخاتنا لعدة أسباب، بعضها يتعلق بنا، والبعض الآخر يتعلق بمقاصد الله السرية:
- الخطية: قد تحجب الخطية سمع الله لصلواتنا (إشعياء 59: 2).
- التجارب: يسمح الله بالتجارب لتقوية إيماننا وتنقية قلوبنا (يعقوب 1: 2-4).
- مقاصد إلهية: قد تكون هناك مقاصد إلهية أعمق لا ندركها في الوقت الحالي (رومية 8: 28).
- الصبر: الله يعمل حسب توقيته المثالي، وقد يتطلب تحقيق وعوده صبرًا منا (عبرانيين 6: 12).
- إختبار الإيمان: قد يؤخر الله الإستجابة ليختبر إيماننا.
تطبيقات روحية لحياتنا اليومية
كيف يمكن أن نستفيد من مزمور 13 في حياتنا اليومية؟
- لا تخف من التعبير عن مشاعرك: لا تخف من الصراخ إلى الله في أوقات الشدة. إنه يسمع صرخات قلبك.
- استمر في الصلاة: لا تيأس من الصلاة، حتى لو شعرت بأن الله لا يستجيب.
- تذكر رحمة الله: تذكر دائمًا أن الله رحيم ومحب، وأنه سيعمل لخيرك في النهاية.
- ابحث عن الرجاء: ابحث عن الرجاء في كلمة الله، في الأسرار المقدسة، وفي شركة القديسين.
- كن شاكراً: حتى في الضيقات، تذكر أن تشكر الله على نعمه الكثيرة.
FAQ ❓
- س: هل يجوز أن أغضب من الله؟
- س: كيف أعرف أن الله يسمعني؟
- س: ماذا أفعل إذا شعرت بأن الله قد تخلى عني؟
- س: كيف يمكنني تقوية إيماني في أوقات الشدة؟
ج: التعبير عن مشاعرك لله، بما في ذلك الغضب والإحباط، ليس بالضرورة خطأ. المهم هو أن يكون غضبك موجهًا نحو الله في الصلاة، وليس بعيدًا عنه في اليأس. استخدم صلاتك للتعبير عن مشاعرك الحقيقية له.
ج: الثقة بأن الله يسمعك تأتي من الإيمان. حتى لو لم ترَ استجابة فورية، ثق بوعده بأنه سيسمع صرخاتك ويستجيب لها بطرق قد لا تفهمها دائمًا. ابحث عن علامات حضوره في حياتك، مثل السلام الداخلي، التعزية، والتوجيه.
ج: تذكر أن الشعور بالتخلي لا يعني بالضرورة أن الله قد تخلى عنك حقًا. في هذه الأوقات، تمسك بكلمة الله، صلِّ، واطلب الدعم من مجتمعك الروحي. تذكر أن المسيح نفسه صرخ على الصليب: “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟” (متى 27: 46).
ج: تقوية الإيمان في أوقات الشدة يتطلب ممارسة روحية واعية. اقرأ الكتاب المقدس بانتظام، صلِّ باستمرار، شارك في الأسرار المقدسة، وقضِ وقتًا في التأمل والتأمل في محبة الله. ابحث أيضًا عن الدعم من مجتمعك الروحي.
خلاصة
إن مزمور 13 ليس مجرد صرخة يأس، بل هو دعوة إلى علاقة أعمق مع الله في أوقات الشدة. إنه تذكير بأن الله يسمع صرخاتنا، حتى عندما نشعر بأنه بعيد. من خلال الصلاة المستمرة، الرجاء، والثقة في رحمة الله، يمكننا أن نتغلب على أي ضيقة ونختبر حضور الله في حياتنا. الله لا يتجاهل صراخ المظلوم، بل يستجيب له برحمته وحبه. لنجعل هذا المزمور دليلًا لنا في رحلتنا الروحية، لنتعلم كيف نصلي ونرجو ونثق في الله في كل الظروف، معلنين أنه أحسن إلينا.
Tags
مزمور 13, صلاة, الضيق, التخلي, الرجاء, الإيمان, المعاناة, اللاهوت الأرثوذكسي, الآباء, الكتاب المقدس
Meta Description
هل الله يتجاهل صراخ المظلوم كما يبدو في مزمور 13؟ استكشف نظرة أرثوذكسية عميقة لهذا السؤال الصعب، مستندة إلى الكتاب المقدس، أقوال الآباء، والتطبيق العملي في الحياة.