كيف يفرح الله بالعدل والحق بينما يسمح بالشر في العالم؟ نظرة أرثوذكسية قبطية

ملخص تنفيذي ✨

إن سؤال “كيف يفرح الله بالعدل والحق (مزمور 97) بينما يسمح بالشر في العالم؟” هو سؤال يراود المؤمنين عبر العصور. لا شك أن وجود الشر يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الله ورحمته وعدله. تهدف هذه المقالة إلى استكشاف هذا التساؤل من منظور أرثوذكسي قبطي، مستنيرة بالكتاب المقدس بعهديه، وآباء الكنيسة الأوائل، والتراث الليتورجي للكنيسة القبطية. سنبحث في مفهوم العدل الإلهي، والحرية الإنسانية، ودور الشر في خطة الله الخلاصية، وكيف يمكن للمؤمن أن يجد السلام والفرح في معرفة الله رغم وجود الشر. سنعرض أيضاً تطبيقات عملية في حياتنا اليومية لمواجهة الشر بالإيمان والرجاء والمحبة، مؤكدين أن فرح الله بالعدل والحق لا يتعارض مع سماحه المؤقت بالشر، بل هو جزء من تدبيره الأزلي لخلاص الإنسان.

إنَّ سؤال الشر ليس مجرد لغز فلسفي، بل هو تحدٍّ وجودي يواجهه كل إنسان. كيف يمكن أن نثق في إله محب وعادل في عالم مليء بالظلم والمعاناة؟ هذا المقال سيعرض منظوراً أرثوذكسياً يربط بين الفرح الإلهي بالعدل والحق، والسماح الإلهي المؤقت بالشر، كجزء من خطة أكبر لخلاص البشرية. كيف يفرح الله بالعدل والحق هو سؤال سنحاول الإجابة عليه بالرجوع إلى الكتاب المقدس وتراث الآباء.

العدل الإلهي وغموض الشر 📖

إنَّ فهم العدل الإلهي هو المفتاح لفهم السماح بالشر. فالعدل الإلهي ليس مجرد عقاب للمخطئين، بل هو أيضاً شفاء وتقويم وإعادة إلى الصورة الأولى التي خلقنا الله عليها. يصف مزمور 97 فرح الله بالعدل والحق: “اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ! لِتَبْتَهِجِ الأَرْضُ! لِتَفْرَحْ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ! السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ.” (مزمور 97: 1-2 Smith & Van Dyke)

  • العدل كقاعدة للعرش الإلهي: هذا يعني أن العدل ليس مجرد صفة من صفات الله، بل هو أساس مُلكه وسلطانه.
  • السماح بالشر كتجربة وتنقيه: الله يسمح بالشر ليس لأنه يحبه، بل لأنه يسمح لنا بالاختيار بين الخير والشر، وهذا الاختيار هو الذي يصقل إرادتنا ويقربنا إليه.
  • الشر كنتيجة للحرية الإنسانية: الله خلق الإنسان حراً، وهذه الحرية تعني أيضاً القدرة على فعل الشر. ولو لم يكن الإنسان حراً، لما كان بإمكانه أن يحب الله حقاً.
  • رجاء القيامة والحياة الأبدية: الإيمان بالقيامة هو أساس الرجاء المسيحي. نحن نؤمن بأن الله سينصف المظلومين وسيكافئ الأبرار في الحياة الأبدية.

الحرية الإنسانية ومسؤولية الاختيار 🕊️

الحرية التي منحها الله للإنسان هي جوهر كرامته، ولكنها أيضاً مصدر الألم والمعاناة في العالم. إنَّ قدرة الإنسان على الاختيار بين الخير والشر هي التي تسمح بوجود الظلم والاضطهاد. لكن يجب أن نتذكر أنَّ هذه الحرية هي التي تجعل محبتنا لله ذات قيمة حقيقية.

يقول القديس أوغسطينوس (Augustinus Hipponensis) باللاتينية:

“Deus, qui te fecit sine te, non te salvabit sine te.”

الترجمة الإنجليزية: “God who created you without you, will not save you without you.”

الترجمة العربية: “الله الذي خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك.”

(Augustine, Sermon 169, 13)

هذا القول يؤكد على أهمية مشاركة الإنسان في عملية الخلاص، وأنَّ الله يحترم حريتنا وإرادتنا.

  • الحرية كصورة الله في الإنسان: الحرية هي جزء أساسي من الصورة الإلهية التي خُلقنا عليها.
  • المسؤولية عن الأفعال والقرارات: نحن مسؤولون أمام الله عن كل ما نفعله ونقوله ونفكر فيه.
  • الشر كنتيجة لسوء استخدام الحرية: الشر ليس شيئاً موجوداً بذاته، بل هو نتيجة لسوء استخدام الإنسان لحريته.
  • التوبة والرجوع إلى الله: التوبة هي الطريق إلى الخلاص، وهي تعني الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الله بقلب نادم.

دور الشر في خطة الله الخلاصية ✨

قد يبدو السماح بالشر أمراً غريباً، ولكنه في الواقع جزء من خطة الله الأزلية لخلاص الإنسان. فالشر يسمح لنا بالنمو الروحي، وتعلم الصبر، وتقوية إيماننا. كما أنَّ الشر يكشف لنا عن مدى حاجتنا إلى الله ورحمته.

يشرح القديس أثناسيوس الرسولي (Athanasius of Alexandria) في كتابه “تجسد الكلمة” باليونانية:

“Διὰ γὰρ τὸ ἄλογον αὐτῶν τῆς κακίας καὶ τὴν ὑπερβολὴν τῆς πλάνης, μᾶλλον ἡ τοῦ Λόγου φιλανθρωπία διαλάμπει.”

الترجمة الإنجليزية: “For, because of their unreasonable wickedness and excessive error, the loving-kindness of the Word shines forth more brightly.”

الترجمة العربية: “لأنه بسبب شرهم غير العاقل وتجاوز ضلالهم، يسطع حب الكلمة للبشر بشكل أكثر إشراقاً.”

(Athanasius, On the Incarnation, Chapter 8)

هذا القول يوضح أن الشر، على الرغم من فظاعته، يسمح لنور محبة الله أن يضيء بشكل أقوى.

  • الشر كفرصة للنمو الروحي: التجارب والصعاب التي نواجهها في الحياة تساعدنا على النمو في الإيمان والمحبة.
  • الصبر والتحمل في وجه الشر: الصبر هو فضيلة عظيمة تساعدنا على تحمل الألم والمعاناة برجاء.
  • الرجاء في تدخل الله: نحن نؤمن بأن الله يتدخل في حياة المؤمنين ويحول الشر إلى خير.
  • الانتصار على الشر بالمحبة: المحبة هي أقوى سلاح في مواجهة الشر، وهي قادرة على تغيير القلوب وتضميد الجراح.

الفرح في معرفة الله رغم وجود الشر 💡

كيف يمكن أن نفرح في معرفة الله في عالم مليء بالشر؟ الجواب يكمن في فهم أنَّ الفرح الحقيقي ليس مرتبطاً بالظروف الخارجية، بل هو ثمرة الروح القدس التي تنمو في قلوب المؤمنين. كيف يفرح الله بالعدل والحق، ويهبنا الفرح حتى في ظل الشر؟

  • الفرح كثمرة الروح القدس: الفرح الحقيقي هو عطية من الله، وهو ينمو في قلوب المؤمنين الذين يطيعون وصاياه.
  • السلام الداخلي في وجه الاضطرابات: الإيمان بالله يمنحنا سلاماً داخلياً لا يمكن للعالم أن يعطيه أو يأخذه.
  • الرجاء في الحياة الأبدية: الإيمان بالقيامة والحياة الأبدية يمنحنا رجاء لا يخيب، ويساعدنا على تحمل صعاب الحياة.
  • المحبة كقوة للتغلب على الشر: المحبة هي أقوى سلاح في مواجهة الشر، وهي قادرة على تغيير القلوب وتضميد الجراح.

FAQ ❓

  • ❓ لماذا يسمح الله بوجود الشر إذا كان محباً وعادلاً؟
    الله يسمح بالشر لأنه منح الإنسان حرية الاختيار، وهذه الحرية تسمح بوجود الشر. كما أنَّ الشر يسمح لنا بالنمو الروحي وتقوية إيماننا.
  • ❓ كيف يمكن أن نجد السلام والفرح في عالم مليء بالظلم والمعاناة؟
    السلام والفرح الحقيقيان هما عطية من الله، وهما ينموان في قلوب المؤمنين الذين يثقون فيه ويعيشون بحسب وصاياه.
  • ❓ ما هو دور الكنيسة في مواجهة الشر في العالم؟
    الكنيسة هي نور العالم وملح الأرض، وهي مدعوة إلى نشر المحبة والسلام والعدل في كل مكان، ومساعدة المحتاجين والضعفاء.
  • ❓ كيف يمكن أن نرد على من يشككون في وجود الله بسبب وجود الشر؟
    يجب أن نصغي إلى شكوكهم باهتمام وتعاطف، وأن نقدم لهم تفسيراً منطقياً وإيمانياً للسماح الإلهي بالشر، مع التأكيد على محبة الله ورحمته وعدله.

الخلاصة ✨

إنَّ سؤال “كيف يفرح الله بالعدل والحق بينما يسمح بالشر في العالم؟” هو سؤال معقد يتطلب فهماً عميقاً لطبيعة الله والإنسان. من خلال الرجوع إلى الكتاب المقدس وتراث الآباء، نرى أنَّ الله يسمح بالشر ليس لأنه يحبه، بل لأنه يحترم حرية الإنسان، ولأنه يريد أن يختبرنا وينقينا ويقودنا إلى الخلاص. إنَّ الفرح الحقيقي يكمن في معرفة الله والثقة فيه، وفي عيش حياة الإيمان والمحبة. كيف يفرح الله بالعدل والحق هو سؤال يقودنا إلى فهم أعمق لتدبيره الخلاصي. فلنسعَ دائماً إلى عمل الخير ومقاومة الشر، واثقين بأنَّ الله سينصف المظلومين ويكافئ الأبرار في الحياة الأبدية.

Tags

العدل الإلهي, الشر, المعاناة, الحرية الإنسانية, الفرح, الرجاء, الكنيسة القبطية, الآباء, الكتاب المقدس, الخلاص

Meta Description

كيف يفرح الله بالعدل والحق (مزمور 97) بينما يسمح بالشر في العالم؟ استكشاف أرثوذكسي قبطي لغموض الشر، والعدل الإلهي، والحرية الإنسانية، وكيفية إيجاد الفرح وسط المعاناة.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *