لماذا الشر في عصر القضاة بعد استلام الشريعة؟ نظرة أرثوذكسية قبطية

مُلخص تنفيذي ✨

في عصر القضاة، نجد أنفسنا أمام مفارقة مؤلمة: شعب اختبر خلاص الله العظيم، وتلقى شريعته المقدسة، ثم انغمس في دوامة من الشر والفوضى. السؤال: لماذا الشر في عصر القضاة بعد استلام الشريعة؟ ليس سؤالاً بسيطاً، بل هو دعوة للتأمل في طبيعة الإنسان الساقطة، وحرية الإرادة، وأهمية التوبة المستمرة. سنستكشف هذا التحدي من خلال منظور أرثوذكسي قبطي، مستنيرين بالكتاب المقدس، وتعليم الآباء، والتاريخ، لنفهم كيف يمكننا تجنب السقوط في نفس الأخطاء، والنمو في حياة القداسة.

مقدمة 📖

عصر القضاة هو فترة مظلمة في تاريخ بني إسرائيل، فترة تتسم بالارتداد المتكرر، والظلم، والعنف. كيف يمكن أن يحدث هذا بعد أن أظهر الله قوته في إخراجهم من مصر، ومنحهم شريعة كاملة في سيناء؟ هذا السؤال يشكل محور دراستنا، حيث نحاول فهم الأسباب الروحية والاجتماعية وراء هذه الانتكاسة المأساوية.

سقوط الشعب: غياب القيادة الروحية والارتداد عن الله 🕊️

أحد الأسباب الرئيسية لسقوط الشعب في عصر القضاة هو غياب القيادة الروحية القوية بعد موت يشوع. لم يكن هناك خليفة له بنفس السلطة الروحية ليقود الشعب ويذكرهم بعهد الله. هذا الفراغ أدى إلى:

  • النسيان التدريجي لوصايا الله: (قضاة 2: 10) “وَجَمِيعُ ذلِكَ الْجِيلِ أَيْضًا انْضَمُّوا إِلَى آبَائِهِمْ، وَقَامَ بَعْدَهُمْ جِيلٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفِ الرَّبَّ وَلاَ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلَهُ لإِسْرَائِيلَ.”
  • الاندماج مع الوثنيين: (قضاة 2: 11-12) “فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ، وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ.”
  • دورة الشر: (قضاة 2: 19) “وَلَكِنْ كَانَ مَتَى مَاتَ الْقَاضِي يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ، بِالذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِمِ الْقَاسِيَةِ.”

يقول القديس أثناسيوس الرسولي عن خطورة الإعراض عن الله: “Ἀποστασία γὰρ ἀπὸ Θεοῦ, θάνατός ἐστιν.” (Apostasía gàr apò Theoû, thánató́s estin.) (De Incarnatione, 5) وتعني: “الارتداد عن الله هو موت”. (Arabic translation: “إن الابتعاد عن الله هو موت.”). إن نسيان عمل الله وعدم الشكر له يؤدي إلى هلاك الروح.

حرية الإرادة والمسؤولية الفردية 💡

الله خلق الإنسان حراً، ومنحه القدرة على الاختيار بين الخير والشر. لكن هذه الحرية تأتي مع مسؤولية. ففي عصر القضاة، اختار الشعب مراراً وتكراراً طريق الشر، متجاهلين وصايا الله. يجب أن نتذكر دائماً أن:

  • الله يحترم حرية إرادتنا: هو لا يجبرنا على محبته أو طاعته.
  • الاختيارات الخاطئة لها عواقب: الشر الذي ارتكبه الشعب جلب عليهم الدينونة والعبودية.
  • التوبة ممكنة دائماً: حتى في أحلك الظروف، يمكن للشعب أن يتوب ويرجع إلى الله.

يعلمنا القديس مقاريوس الكبير: “Πᾶς ὁ ἄνθρωπος ἑαυτοῦ κτίστης ἐστί.” (Pâs ho ánthropos heautoû ktístēs estí.) وتعني: “كل إنسان هو خالق نفسه.” (Fifty Spiritual Homilies, Homily 11. Arabic translation: “كل إنسان هو صانع مصيره.”). من خلال اختياراتنا، نحن نشكل شخصيتنا ومصيرنا الأبدي.

الأصنام الداخلية: الشهوات والرغبات 📜

لم يكن التحدي في عصر القضاة مجرد عبادة أصنام خارجية، بل أيضاً عبادة “أصنام داخلية”: الشهوات والرغبات الشريرة التي تسيطر على القلب. عندما يسمح الإنسان لهذه الرغبات بالسيطرة عليه، فإنه ينحرف عن طريق الله.

  • الطمع: الرغبة في الحصول على المزيد من المال أو السلطة أو الممتلكات.
  • الشهوة: الرغبة غير المنضبطة في الملذات الجسدية.
  • الكبرياء: الاعتقاد بأننا أفضل من الآخرين.
  • الحسد: الشعور بالضيق من نجاح الآخرين.

يحذرنا الكتاب المقدس من هذه الشهوات: (يعقوب 1: 14-15) “وَلكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ لَمَّا تَحْبَلُ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا تَمَّتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.”

التوبة والرجوع إلى الله: الطريق للخلاص ✨

على الرغم من تكرار السقوط، إلا أن الله لم يترك شعبه. كان دائماً يرسل قضاة ليخلصوهم من أعدائهم. هذا يظهر لنا أن:

  • الله رحيم وغفور: هو مستعد دائماً لمسامحة أولئك الذين يتوبون.
  • التوبة الحقيقية تتطلب تغيير القلب: ليست مجرد كلمات، بل قرار بالابتعاد عن الشر والعيش وفقاً لوصايا الله.
  • الله يعمل من خلال الضعفاء: استخدم الله قضاة غير كاملين ليخلص شعبه، مما يدل على أن قوته تظهر في الضعف.

يقول داود النبي في المزمور 51: 17: “اَلذَّبَائِحُ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. اَلْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ.” (Smith & Van Dyke).

FAQ ❓

  • لماذا سمح الله بالشر في عصر القضاة؟ سمح الله بالشر نتيجة لاختيار الشعب الحر للابتعاد عنه، ليظهر لهم عواقب خطاياهم ويدعوهم للتوبة.
  • كيف يمكننا تجنب تكرار أخطاء شعب إسرائيل؟ من خلال دراسة الكتاب المقدس، والتمسك بتعاليم الكنيسة، والاجتهاد في حياة الصلاة والتوبة المستمرة، والتعلم من التاريخ.
  • ما هو دور القيادة الروحية في الحفاظ على الإيمان؟ القيادة الروحية تلعب دوراً حاسماً في تذكير المؤمنين بوصايا الله، وتشجيعهم على حياة القداسة، وحمايتهم من الانحرافات.
  • هل التوبة كافية للخلاص؟ التوبة هي بداية طريق الخلاص، ولكنها تتطلب أيضاً الإيمان بالمسيح والعمل بوصاياه والسعي الدائم للنمو الروحي.

الخلاصة 📖

إن قصة عصر القضاة هي بمثابة تحذير لنا جميعاً. إنها تذكرنا بضعف طبيعتنا البشرية، وأهمية القيادة الروحية، وضرورة التوبة المستمرة. يجب علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن نسعى جاهدين للعيش حياة ترضي الله، متمسكين بالإيمان الأرثوذكسي القويم. لنتذكر دائماً أن لماذا الشر في عصر القضاة بعد استلام الشريعة؟ هو سؤال يجب أن يدفعنا إلى فحص أنفسنا والاقتراب من الله.

Tags

عصر القضاة, الشر, الكتاب المقدس, التوبة, القيادة الروحية, الإيمان, الأرثوذكسية, الشريعة, الحرية, المسؤولية

Meta Description

استكشاف أسباب انتشار الشر في عصر القضاة بعد استلام الشريعة من منظور أرثوذكسي قبطي، مع التركيز على القيادة الروحية، والتوبة، وحرية الإرادة.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *