لماذا يبدو الله غاضبًا وناقماً في الخروج؟ نظرة أرثوذكسية قبطية
ملخص تنفيذي
سفر الخروج، أحد أهم أسفار العهد القديم، غالبًا ما يثير تساؤلات حول طبيعة الله، خاصةً عندما يبدو غاضبًا وناقمًا. هل هذا الغضب يتعارض مع محبة الله ورحمته؟ هذا البحث، من منظور أرثوذكسي قبطي، يتناول هذه الإشكالية، مستكشفًا الأسباب اللاهوتية، والتاريخية، والسياقية التي قد تفسر هذه الصورة الظاهرية. نعتمد على الكتاب المقدس بعهديه، آباء الكنيسة، والتراث القبطي الأصيل، لفهم أن غضب الله ليس نقيضًا لمحبة، بل هو تعبير عن عدله، وغيرته المقدسة على شعبه، ورغبته في تطهيرهم وتقديسهم. نهدف إلى تقديم فهم متوازن وشامل لهذه القضية، مع التركيز على الجوانب الروحية والتطبيقية لحياتنا اليومية. هذا البحث يهدف الى تفسير سؤال: لماذا يبدو الله غاضبًا وناقماً في الخروج؟
سفر الخروج هو قصة خلاص شعب الله من العبودية في مصر، ولكنه أيضًا قصة عن لقاء الله مع شعبه وكشفه عن ذاته. لكن، لماذا نرى في هذا السفر صورة لله تبدو قاسية وغاضبة؟
غضب الله: عدل أم انتقام؟
غالبًا ما يُنظر إلى غضب الله على أنه رد فعل سلبي، ولكنه في الواقع تعبير عن عدله المقدس تجاه الشر والظلم. يقول الكتاب المقدس: (اَلرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ الْبَتَّةَ) (ناحوم 1: 3) (Smith & Van Dyke). هذا يعني أن الله صبور وطويل الأناة، ولكنه لا يتغاضى عن الخطية إلى الأبد.
- العدل الإلهي: غضب الله هو تجسيد لعدله المطلق، حيث لا يمكنه أن يتجاهل الشر أو يتركه دون حساب.
- الغيرة المقدسة: الله يغار على شعبه من عبادة الأوثان والآلهة الغريبة، وهذا الغضب هو تعبير عن محبته لهم ورغبته في حمايتهم من الضلال.
- التأديب الأبوي: في كثير من الأحيان، يكون غضب الله بمثابة تأديب أبوي لشعبه، بهدف تقويمهم وتنقيتهم.
- حماية الضعفاء: غضب الله يشتعل ضد الظالمين والمستكبرين الذين يضطهدون الضعفاء والمساكين.
السياق التاريخي والجغرافي لغضب الله في الخروج
لفهم غضب الله في الخروج، يجب أن ننظر إلى السياق التاريخي والجغرافي للأحداث. مصر القديمة كانت مركزًا لعبادة الأوثان والسحر، وكان شعب إسرائيل يعيش تحت قهر فرعون وظلمه.
- عبادة الأوثان: كانت مصر مليئة بالآلهة الزائفة، وكان شعب إسرائيل يتعرض لضغوط لكي يعبدها. غضب الله كان موجهًا ضد هذه العبادة الباطلة.
- الظلم والعبودية: كان فرعون يضطهد شعب إسرائيل ويستعبدهم بوحشية. غضب الله كان رد فعل على هذا الظلم الصارخ.
- قساوة قلب فرعون: على الرغم من التحذيرات المتكررة، أصر فرعون على عدم إطلاق سراح شعب إسرائيل. هذا العناد أثار غضب الله.
يقول القديس أثناسيوس الرسولي: “Οὐ γὰρ ἀγαθὸς ὁ θεὸς, εἰ μὴ καὶ δίκαιος” (Athanasius, *Contra Gentes*, 41) (لا يكون الله صالحًا إن لم يكن عادلاً أيضًا). (God is not good if he is not also just.) (الله لا يكون صالحاً إن لم يكن عادلاً أيضاً). وهذا يوضح العلاقة الوثيقة بين صلاح الله وعدله.
تجسيد الغضب الإلهي في الضربات العشر
الضربات العشر التي حلت بمصر هي مثال واضح على غضب الله، ولكنها أيضًا تعبير عن قوته ورحمته. كانت هذه الضربات تهدف إلى إقناع فرعون بإطلاق سراح شعب إسرائيل، ولكنها أيضًا كانت بمثابة دينونة على آلهة مصر الباطلة.
- كل ضربة تستهدف إلهًا مصريًا: كانت كل ضربة موجهة ضد أحد آلهة مصر، مما يظهر عجز هذه الآلهة أمام قوة الله الحقيقي.
- فرصة للتوبة: كانت كل ضربة بمثابة فرصة لفرعون وشعب مصر للتوبة والرجوع إلى الله.
- الخلاص لشعب إسرائيل: كانت الضربات وسيلة لخلاص شعب إسرائيل من العبودية وإخراجهم إلى الحرية.
كما يقول القديس كيرلس الكبير: “ἡ γὰρ ὀργὴ τοῦ θεοῦ οὐκ ἔστι πάθος, ἀλλὰ δικαία κρίσις” (Cyril of Alexandria, *Commentary on Isaiah*, Book 1, Homily 2) (غضب الله ليس انفعالًا، بل هو حكم عادل). (The wrath of God is not a passion, but a just judgment.) (غضب الله ليس انفعالًا، بل هو حكم عادل).
التطبيق الروحي لغضب الله في حياتنا
على الرغم من أن غضب الله قد يبدو مخيفًا، إلا أنه يحمل دروسًا روحية قيمة لحياتنا اليومية.
- الخوف من الله: الخوف من الله هو بداية الحكمة، وهو يعني احترام الله وتقديره وتجنب ما يغضبه.
- التوبة والرجوع إلى الله: غضب الله يدعونا إلى التوبة والرجوع إليه، والاعتراف بأخطائنا وطلب المغفرة.
- الغيرة على الحق: يجب أن نغار على الحق والعدل، وأن نرفض الظلم والشر بكل أشكاله.
- محبة الله: في النهاية، يجب أن نتذكر أن غضب الله هو تعبير عن محبته لنا ورغبته في أن نكون قديسين وطاهرين.
FAQ ❓
س: هل يتعارض غضب الله مع محبته؟
ج: لا، غضب الله ليس نقيضًا لمحبة، بل هو تعبير عن غيرته المقدسة على شعبه ورغبته في حمايتهم من الضلال. إنه تأديب أبوي يهدف إلى تقويمهم وتنقيتهم.
س: كيف نفهم الضربات العشر كعمل من أعمال الرحمة؟
ج: على الرغم من أنها تبدو قاسية، إلا أن الضربات كانت تهدف إلى إقناع فرعون بإطلاق سراح شعب إسرائيل، ومنح المصريين فرصة للتوبة والرجوع إلى الله. كما أنها كانت دينونة على الآلهة الباطلة.
س: ما هو دور الخوف من الله في حياتنا الروحية؟
ج: الخوف من الله هو بداية الحكمة، وهو يعني احترام الله وتقديره وتجنب ما يغضبه. إنه يدعونا إلى التوبة والرجوع إليه.
الخلاصة
إن فهم لماذا يبدو الله غاضبًا وناقماً في الخروج؟ يتطلب منا النظر إلى الصورة الكاملة: عدل الله، غيرته المقدسة، السياق التاريخي، والهدف الأسمى للخلاص. غضب الله ليس انتقامًا أعمى، بل هو تعبير عن محبته وعدله، وهو يدعونا إلى التوبة والرجوع إليه. فلنتعلم من سفر الخروج أن نخاف الله ونحبه، وأن نغار على الحق والعدل، وأن نسعى دائمًا إلى التقديس والتطهير. إن رحلة الخروج ليست مجرد قصة تاريخية، بل هي رمز لرحلة خلاصنا الشخصية من عبودية الخطية إلى حرية مجد أبناء الله.
Tags
سفر الخروج, غضب الله, العدل الإلهي, العهد القديم, آباء الكنيسة, اللاهوت القبطي, الضربات العشر, محبة الله, التوبة, الخلاص
Meta Description
استكشاف لاهوتي أرثوذكسي قبطي لسؤال: لماذا يبدو الله غاضبًا وناقماً في الخروج؟ فهم شامل للعدل الإلهي، السياق التاريخي، والتطبيق الروحي لحياتنا اليومية.