هل تعليم إشعياء عن البر مرتبط فقط بحفظ الناموس والطقوس؟ نظرة أرثوذكسية شاملة

ملخص تنفيذي

تسعى هذه المقالة إلى دحض الفهم القاصر لتعليم إشعياء النبي عن البر، والذي يختزله البعض في مجرد حفظ الناموس والطقوس. إن نظرة إشعياء، كما تفهمها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أعمق وأشمل بكثير. فالبر الحقيقي، بحسب إشعياء، يتجاوز الطقوس الظاهرية ليلامس القلب والروح، ويتجلى في العدل الاجتماعي، ومحبة القريب، والتوبة الحقيقية، والأهم من ذلك، الإيمان بالمسيح المخلص. هذه المقالة تستكشف هذه الأبعاد المتعددة، مستندة إلى الكتاب المقدس (بما في ذلك الأسفار القانونية الثانية)، وأقوال الآباء، والسياق التاريخي، لتقديم فهم أرثوذكسي متكامل لتعليم إشعياء عن البر. إن فهمنا لـ بر إشعياء يجب أن يكون شاملًا وروحيًا، لا مجرد التزام حرفي بالناموس.

مقدمة

غالبًا ما يساء فهم مفهوم البر في العهد القديم، خاصةً عند قراءة نبوات إشعياء. يظن البعض خطأً أن البر، كما يصوره إشعياء، يقتصر على الالتزام الدقيق بالشعائر الدينية والوصايا القانونية. ولكن، هل هذا الفهم كافٍ؟ هل هذه هي الصورة الكاملة التي قصدها النبي؟ هذه المقالة تسعى للإجابة على هذه التساؤلات من منظور أرثوذكسي، مستنيرة بنصوص الكتاب المقدس، وتعليم الآباء القديسين، والتقليد الكنسي.

أبعاد البر في سفر إشعياء

البر ليس مجرد حفظ الناموس

إن التركيز على الناموس وحده يقود إلى الرياء والتظاهر، كما نرى في انتقادات الرب يسوع للفريسيين. إشعياء نفسه ينتقد بشدة أولئك الذين يمارسون الطقوس بلا قلب خاشع أو نية صادقة. يقول النبي (إشعياء 1: 11-15) (Smith & Van Dyke): “لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ؟ قَدْ شَبِعْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ الْكِبَاشِ وَشَحْمِ الْمُسَمَّنَاتِ وَبِدَمِ الْعُجُولِ وَالْخِرْفَانِ وَالتُّيُوسِ لَمْ أُسَرُّ. حِينَ تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لَا تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ رِجْسٌ لِي. الْهِلَالُ وَالسَّبْتُ وَمُنَادَاةُ الْمَحْفَلِ لَا أَطِيقُ الْإِثْمَ وَالِاعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمُ الْمُعَيَّنَةُ أَبْغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلًا. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَمَا تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ وَإِنْ أَكْثَرْتُمُ الصَّلَاةَ لَا أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلْآنَةٌ دَمًا.”

هذا النص يوضح أن الله لا يسر بالطقوس الفارغة من المحبة والرحمة. بل يرفضها بشدة. البر الحقيقي يتجاوز مجرد الأداء الشكلي للشعائر الدينية.

  • الطقوس بدون قلب: الطقوس التي لا تنبع من قلب متواضع وخاشع هي مجرد مظهرية لا قيمة لها أمام الله.
  • العدل الاجتماعي: البر يتجلى في السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة المحتاجين.
  • محبة القريب: محبة القريب هي علامة مميزة للبر الحقيقي، كما علمنا الرب يسوع.
  • التوبة الصادقة: التوبة الصادقة والرجوع إلى الله بقلب منكسر هي جزء أساسي من البر.

البر والعدل الاجتماعي في سفر إشعياء

يربط إشعياء البر بالعدل الاجتماعي بشكل وثيق. ينتقد بشدة الظلم والاستغلال الذي يمارسه الأغنياء والأقوياء ضد الفقراء والضعفاء. ويحث الشعب على إقامة العدل ونصرة المظلوم. يقول (إشعياء 1: 17) (Smith & Van Dyke): “تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الْأَرْمَلَةِ.”

هذا النص يوضح أن البر يتطلب العمل الإيجابي لإقامة العدل ومساعدة المحتاجين. إنه ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو مسؤولية اجتماعية.

يقول القديس كيرلس الكبير (Kirillos ho Megas) باليونانية: “Δικαιοσύνη ἐστὶ τὸ ἑκάστῳ τὸ οἰκεῖον ἀπονέμειν.” وترجمتها: “البر هو إعطاء كل واحد ما يستحقه.” (Cyril of Alexandria, *Commentary on Isaiah*, PG 70: 233). وبالعربية: “البر هو أن نعطي كل شخص حقه.” هذا القول يوضح أن البر يتطلب إنصاف الجميع وعدم التمييز بينهم.

  • نصرة المظلوم: الوقوف إلى جانب المظلومين والدفاع عن حقوقهم هو جزء أساسي من البر.
  • رعاية الأيتام والأرامل: رعاية الأيتام والأرامل والمحتاجين هي علامة مميزة للبر الحقيقي.
  • محاربة الظلم: يجب على المؤمنين أن يسعوا لمحاربة الظلم والاستغلال بكل الوسائل المتاحة.
  • العدالة للجميع: يجب أن يسود العدل على الجميع، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو الاقتصادية.

البر والإيمان بالمسيح

يشير إشعياء أيضًا إلى مجيء المسيح المخلص الذي سيجلب البر الحقيقي للعالم. إنه يتنبأ عن المسيح بأنه سيكون “غصن من جذع يسى” (إشعياء 11: 1) (Smith & Van Dyke)، وأنه سيملك بالعدل والبر. ويقول (إشعياء 53: 5) (Smith & Van Dyke): “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.”

هذا النص يوضح أن المسيح هو مصدر البر الحقيقي، وأن خلاصنا يأتي من خلال الإيمان به والتوبة عن خطايانا.

يقول القديس أثناسيوس الرسولي (Athanasios ho Apostolikos) باليونانية: “Ὁ γὰρ Λόγος σὰρξ ἐγένετο, ἵνα ἡμεῖς θεοποιηθῶμεν.” وترجمتها: “الكلمة صار جسدًا، لكي نصير نحن آلهة.” (Athanasius of Alexandria, *De Incarnatione*, 54, 3). وبالعربية: “الكلمة صار جسدًا لكي نتأله نحن.” هذا القول يوضح أن المسيح تجسد لكي يمنحنا البر الحقيقي ويجعلنا شركاء في طبيعته الإلهية.

  • المسيح هو البر: المسيح هو تجسيد البر الإلهي، ومن خلال الإيمان به ننال البر.
  • الخلاص بالإيمان: الخلاص بالإيمان بالمسيح هو أساس البر الحقيقي.
  • التجديد الروحي: الإيمان بالمسيح يؤدي إلى التجديد الروحي وتغيير القلب.
  • الحياة المقدسة: الحياة المقدسة هي ثمرة الإيمان بالمسيح والبر الذي نناله منه.

FAQ ❓

س: هل يمكن تحقيق البر الكامل من خلال حفظ الناموس فقط؟

ج: لا، لا يمكن تحقيق البر الكامل من خلال حفظ الناموس فقط. فالناموس يكشف لنا عن خطايانا وعجزنا عن تحقيق الكمال، ولكنه لا يمنحنا القدرة على التغلب على ضعفنا. البر الحقيقي يأتي من خلال الإيمان بالمسيح والتوبة عن خطايانا.

س: ما هو دور الأعمال الصالحة في البر؟

ج: الأعمال الصالحة هي ثمرة الإيمان الحي، وهي دليل على أننا قد نلنا البر الحقيقي. فالإيمان الحقيقي يثمر أعمالًا صالحة تلقائيًا، كما قال يعقوب الرسول: “الإِيمَانُ أَيْضاً إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ مَيِّتٌ هُوَ فِي ذَاتِهِ” (يعقوب 2: 17) (Smith & Van Dyke).

س: كيف يمكن تطبيق تعليم إشعياء عن البر في حياتنا اليومية؟

ج: يمكن تطبيق تعليم إشعياء عن البر في حياتنا اليومية من خلال السعي لتحقيق العدل في كل ما نفعله، ومساعدة المحتاجين، ومحبة القريب، والتوبة عن خطايانا، والإيمان بالمسيح المخلص. يجب أن نكون نورًا وملحًا في العالم، وأن نسعى لنشر ملكوت الله في كل مكان.

خاتمة

إن تعليم إشعياء عن بر إشعياء يتجاوز مجرد حفظ الناموس والطقوس الظاهرية. إنه دعوة إلى التغيير الداخلي، وإلى السعي لتحقيق العدل الاجتماعي، وإلى محبة القريب، والأهم من ذلك، إلى الإيمان بالمسيح المخلص. يجب علينا أن نفهم أن البر الحقيقي هو هبة من الله ننالها بالإيمان، وأن الأعمال الصالحة هي ثمرة هذا الإيمان. فلنسعَ جاهدين لنكون قديسين كما هو قدوس، وأن نعيش حياة ترضي الله في كل ما نفعله، وأن نكون شهودًا له في العالم. يجب أن يكون فهمنا لـ بر إشعياء شاملاً وروحيًا، لا مجرد التزام حرفي بالناموس، بل يجب أن يعكس قلبًا محبًا وعادلاً.

Tags

إشعياء, البر, الناموس, الطقوس, العدل الاجتماعي, المسيح, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, آباء الكنيسة, التوبة, الإيمان, الخلاص

Meta Description

هل تعليم إشعياء عن البر مرتبط فقط بحفظ الناموس والطقوس؟ اكتشف المفهوم الأرثوذكسي الشامل للبر في سفر إشعياء، والذي يتجاوز الطقوس ليشمل العدل والإيمان بالمسيح.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *