هل كان الكهنوت محصورًا في نسل لاوي وحده؟ نظرة شاملة في الكتاب المقدس والتقليد القبطي

مُلَخَّص تنفيذي

تُثار تساؤلات عديدة حول حصر الكهنوت في نسل لاوي، وتستدعي الحاجة إلى دراسة متأنية للكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، بالإضافة إلى الكتابات القانونية الثانية (الأسفار القانونية الثانية) والتقليد الكنسي القبطي الأرثوذكسي. سنستعرض النصوص المقدسة التي تبدو ظاهريًا أنها تحصر الكهنوت في نسل لاوي، ثم نوضح كيف أن هذا الحصر كان له غاية تاريخية وروحية محددة ضمن العهد القديم. سنبحث في الأدلة التي تشير إلى كهنوت عام لجميع المؤمنين في العهد الجديد، وكيف أن المسيح هو الكاهن الأعظم الذي من رتبة ملكي صادق. سنقدم أيضًا رؤى آبائية ونصوصًا من آباء الكنيسة الأوائل لتوضيح هذه المفاهيم وتفنيد الشكوك، مؤكدين على أن الكاهن الأعظم يسوع المسيح فتح باب الخدمة الكهنوتية أمام المؤمنين جميعًا، كلٌّ بحسب دعوته وموهبته.

إن مسألة حصر الكهنوت في نسل لاوي تُعدّ من القضايا الهامة التي تستدعي منا فهمًا عميقًا لجوهر العهدين القديم والجديد، وكيف تطورت خدمة الكهنوت من خلال تاريخ الخلاص. فلنبدأ رحلتنا لاستكشاف هذه القضية بكل تفصيل.

نصوص العهد القديم وظاهر حصر الكهنوت في نسل لاوي

من الواضح أن العهد القديم، خاصة سفر اللاويين، يركز بشكل كبير على خدمة الكهنوت المحصورة في سبط لاوي. لنستعرض بعض النصوص الرئيسية:

  • سفر العدد 18: 1: “وَقَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: «أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ الْمَقْدِسِ. وَأَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ كِهَانَتِكُمْ.” (Smith & Van Dyke). هذا النص يُظهر بوضوح مسؤولية نسل هارون في خدمة القدس.
  • سفر التثنية 18: 1: “لاَ يَكُونُ لِلْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ، كُلِّ سِبْطِ لاَوِي، قِسْمٌ وَلاَ نَصِيبٌ مَعَ إِسْرَائِيلَ. يَأْكُلُونَ وَقَائِدَ الرَّبِّ وَنَصِيبَهُ.” (Smith & Van Dyke). هنا نرى تخصيص سبط لاوي للخدمة الدينية دون الحصول على نصيب في الأرض كبقية الأسباط.

هذه النصوص وغيرها تعطي انطباعًا بأن الكهنوت كان حكرًا على نسل لاوي. ولكن يجب أن نفهم السياق التاريخي والروحي لهذه النصوص. كان سبط لاوي قد اختير بسبب غيرته وغيرته على الله خلال حادثة العجل الذهبي (خروج 32)، فتم تكريسه لخدمة الرب.

كهنوت المؤمنين العام في العهد الجديد

العهد الجديد يقدم مفهومًا جديدًا للكهنوت، وهو كهنوت المؤمنين العام. لنستعرض بعض النصوص الهامة:

  • رسالة بطرس الأولى 2: 9: “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ.” (Smith & Van Dyke). هنا يؤكد الرسول بطرس أن جميع المؤمنين هم كهنوت ملوكي.
  • سفر الرؤيا 1: 6: “وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.” (Smith & Van Dyke). هذا النص يؤكد أيضًا على أن المؤمنين هم ملوك وكهنة لله.

إن كهنوت المؤمنين العام لا يعني أن الجميع مدعوون للخدمة الكهنوتية الرعوية بنفس الطريقة، بل يعني أن جميع المؤمنين مدعوون لتقديم ذواتهم ذبيحة حية لله (رومية 12: 1)، والشهادة للمسيح في حياتهم اليومية. إن الكاهن الأعظم يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والناس، وقد فتح لنا باب الوصول إلى الله.

الكاهن الأعظم يسوع المسيح من رتبة ملكي صادق

رسالة العبرانيين تقدم فهمًا عميقًا لكهنوت المسيح الأبدي، والذي هو من رتبة ملكي صادق وليس من رتبة هارون. ملكي صادق كان كاهنًا لله العلي وملكًا لساليم (أورشليم) (تكوين 14: 18-20). لم يكن من نسل لاوي، بل كان يمثل نوعًا من الكهنوت السابق للعهد اللاوي.

رسالة العبرانيين تؤكد على أن المسيح هو الكاهن الأعظم الذي يشفع فينا إلى الأبد (عبرانيين 7: 24-25). كهنوته ليس مؤقتًا مثل كهنوت هارون، بل هو كهنوت أبدي لا يزول.

القديس كيرلس الأسكندري يقول: “οὐ γὰρ κατὰ σάρκα ἐστὶν ἡ κοινωνία, ἀλλὰ κατὰ πνεῦμα.” (PG 68, 481) “ليس الاشتراك بحسب الجسد، بل بحسب الروح.” (English translation: “For the communion is not according to the flesh, but according to the Spirit.”) ومعنى ذلك أن الاشتراك في كهنوت المسيح لا يعتمد على النسب الجسدي، بل على الحياة الروحية والاتحاد بالمسيح. (الترجمة العربية: “فإن الشركة ليست بحسب الجسد، بل بحسب الروح.”)

رؤى آبائية حول الكهنوت

آباء الكنيسة قدموا رؤى عميقة حول طبيعة الكهنوت ودوره في الكنيسة. لقد فهموا أن الكهنوت الرعوي هو خدمة مقدسة تتطلب التكريس والتفاني.

  • القديس إغناطيوس الأنطاكي يقول: “χωρὶς τοῦ ἐπισκόπου μηδὲν ποιεῖτε.” (Ad Smyrn. 8, 1) “بدون الأسقف لا تفعلوا شيئًا.” (English translation: “Without the bishop, do nothing.”) هذا التأكيد على أهمية الأسقف في الكنيسة يوضح أن الكهنوت الرعوي هو خدمة منظمة ومؤسسة. (الترجمة العربية: “بدون الأسقف لا تفعلوا شيئًا.”)
  • القديس يوحنا الذهبي الفم يقول: “Ἡ ἱερωσύνη ἐστὶ μὲν ἐπίγειος, τάξιν δὲ ἐπουρανίων ἔχει πραγμάτων.” (De Sacerdotio, III, 4) “الكهنوت أرضي، ولكنه يحمل نظام الأمور السماوية.” (English translation: “The priesthood is indeed earthly, but it holds the order of heavenly things.”) هذا يوضح أن الكهنوت الرعوي يربط الأرض بالسماء ويحمل مسؤولية مقدسة. (الترجمة العربية: “الكهنوت أرضي، ولكنه يحمل نظام الأمور السماوية.”)

أسئلة متكررة ❓

  • س: هل يعني كهنوت المؤمنين العام أن كل مسيحي يمكنه أن يعمد أو يقدس الأسرار؟
    ج: لا، كهنوت المؤمنين العام يعني أن كل مسيحي مدعو لتقديم ذبيحة حية لله والشهادة للمسيح، لكن الأسرار المقدسة تتطلب كهنة مرسومين من قبل الكنيسة.
  • س: ما هو الفرق بين كهنوت هارون وكهنوت المسيح؟
    ج: كهنوت هارون كان مؤقتًا ويحتاج إلى ذبائح متكررة، بينما كهنوت المسيح أبدي وقد قدم ذبيحة واحدة كاملة وكافية للخلاص.
  • س: كيف يمكنني أن أعيش كهنوتي الملوكي في حياتي اليومية؟
    ج: يمكنك أن تعيش كهنوتك الملوكي من خلال الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والشهادة للمسيح بأقوالك وأفعالك، وخدمة الآخرين بمحبة وتواضع.

الخلاصة

باختصار، في حين أن العهد القديم يظهر حصرًا للكهنوت في نسل لاوي، إلا أن هذا الحصر كان له غاية تاريخية وروحية محددة. العهد الجديد يكشف عن كهنوت المؤمنين العام، حيث أن جميع المؤمنين مدعوون لتقديم ذواتهم ذبيحة حية لله والشهادة للمسيح. الكاهن الأعظم يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والناس، وقد فتح لنا باب الوصول إلى الله. فلنحرص على أن نعيش كهنوتنا الملوكي بفرح وأمانة، ونخدم الرب بكل قلوبنا.

Tags

الكاهن الأعظم يسوع المسيح, كهنوت لاوي, كهنوت ملكي صادق, كهنوت المؤمنين, العهد القديم, العهد الجديد, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, آباء الكنيسة, الأسرار المقدسة, المسيحية

Meta Description

دراسة مفصلة حول هل كان الكهنوت محصورًا في نسل لاوي وحده؟ نظرة شاملة في الكتاب المقدس والتقليد القبطي. اكتشف كهنوت المؤمنين العام ودور الكاهن الأعظم يسوع المسيح.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *