لماذا لا يذكر سفر أخبار الأيام خطية داود مع بثشبع؟ نظرة لاهوتية أرثوذكسية

ملخص تنفيذي

لماذا لا يذكر سفر أخبار الأيام خطية داود مع بثشبع؟ هذا السؤال يثير تساؤلات مهمة حول طبيعة الكتاب المقدس وأهدافه اللاهوتية. سفر أخبار الأيام، برخلاف سفري صموئيل والملوك، يركز على الجوانب الإيجابية لحياة داود كملك وكرمز للمسيح المنتظر. لا يهدف السفر إلى تقديم سيرة شخصية كاملة لداود، بل إلى إبراز دوره في تنظيم العبادة في الهيكل وتأسيس السلالة الملكية التي ستؤدي إلى المسيح. هذا لا يعني إنكار الخطية، بل إعادة توجيه التركيز نحو عمل الله الخلاصي وتأكيد رحمته وغفرانه. سنستكشف الدوافع اللاهوتية وراء هذا الاختلاف في الرواية، معتمدين على آباء الكنيسة الأوائل وتعليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. إن فهم هذا الاختلاف يساعدنا على تقدير عمق الوحي الكتابي ورسالته المتكاملة.

مقدمة

تعتبر قصة خطية داود مع بثشبع واحدة من القصص الأكثر شهرة وإثارة للتساؤلات في الكتاب المقدس. نجد تفاصيل هذه القصة في سفري صموئيل الثاني (الإصحاحات 11 و 12). لكن المثير للدهشة أن هذه القصة غائبة تمامًا عن سفر أخبار الأيام الأول. فلماذا هذا الاختلاف؟ وما هي الدوافع اللاهوتية الكامنة وراءه؟

أهداف سفر أخبار الأيام اللاهوتية

يهدف سفر أخبار الأيام إلى تقديم تفسير لاهوتي لتاريخ إسرائيل، مع التركيز على جوانب معينة. من المهم فهم هذه الأهداف لفهم سبب استبعاد قصة خطية داود.

  • التركيز على العبادة والهيكل: يركز سفر أخبار الأيام بشكل كبير على تنظيم داود للعبادة في الهيكل وتأسيسه للخدمة الليتورجية. يهدف السفر إلى إظهار كيف أن داود كان شخصية محورية في إعداد الطريق لبناء الهيكل الذي سيصبح مركزًا لعبادة الله في إسرائيل.
  • إبراز الجوانب الإيجابية لداود: يسعى السفر إلى تقديم صورة إيجابية لداود كملك تقي ومخلص لله. يهدف السفر إلى تشجيع الشعب اليهودي العائد من السبي على التمسك بعهد الله واستعادة مجد مملكة داود.
  • الرمزية المسيانية: يُنظر إلى داود في سفر أخبار الأيام كرمز للمسيح المنتظر. يهدف السفر إلى إظهار كيف أن داود كان سلفًا للمسيح الملك الذي سيأتي ليملك على شعبه إلى الأبد.

نظرة مقارنة: صموئيل وأخبار الأيام

من المهم مقارنة سفري صموئيل وأخبار الأيام لفهم الاختلافات في أسلوب الرواية والأهداف اللاهوتية.

في سفري صموئيل، يتم تقديم داود كشخصية معقدة، مع إبراز نقاط قوته وضعفه. يتم ذكر خطيته مع بثشبع بالتفصيل، مع وصف العواقب الوخيمة التي ترتبت عليها.

أما في سفر أخبار الأيام، فيتم التركيز على الجوانب الإيجابية لداود، مع تجاهل خطيته. قد يبدو هذا وكأنه تجميل للواقع، ولكنه يعكس الهدف اللاهوتي للسفر في إبراز دور داود كملك تقي ومثال للشعب.

الآباء وتعليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

يعلق آباء الكنيسة على هذه القضية، موضحين أن الكتاب المقدس لا يهدف إلى تقديم سجل تاريخي كامل، بل إلى إعلان خطة الله للخلاص.

القديس أثناسيوس الرسولي:

Οὐ γὰρ δὴ περὶ τῶν γεγενημένων μόνον ἡ γραφὴ λέγει, ἀλλὰ καὶ περὶ τῶν δεόντων γενέσθαι προφητεύει.

(Transliteration: Ou gar dē peri tōn gegonemenōn monon hē graphē legei, alla kai peri tōn deontōn genesthai prophēteuei.)

الترجمة الإنجليزية: “For Scripture does not only speak about things that have happened, but it also prophesies about things that are going to happen.”

الترجمة العربية: “لأن الكتاب المقدس لا يتكلم فقط عن الأشياء التي حدثت، بل يتنبأ أيضًا عن الأشياء التي ستحدث.” (Athanasius, *Contra Gentes*, 46)

هذا المقتطف يوضح أن الكتاب المقدس ليس مجرد سجل تاريخي، بل هو أيضًا نبوءة. يهدف الكتاب المقدس إلى توجيهنا نحو الخلاص الأبدي.

الدوافع الروحية واللاهوتية لإغفال خطية داود في سفر أخبار الأيام

  • التركيز على التوبة والغفران: بالرغم من عدم ذكر الخطية، فإن سفر أخبار الأيام يركز على توبة داود وإيمانه بالله. هذا يدل على أن الله يغفر الخطايا ويقبل التوبة.
  • التعليم عن رحمة الله: يؤكد السفر على أن رحمة الله تغلب غضبه. بالرغم من أن داود أخطأ، إلا أن الله استمر في محبته له واستخدامه في تحقيق خطته.
  • التركيز على دور داود كنموذج: يهدف السفر إلى تقديم داود كنموذج للشعب في الإيمان والطاعة والعبادة. هذا لا يعني تجاهل الخطية، بل التركيز على الجوانب الإيجابية التي يمكن أن نتعلم منها.

FAQ ❓

أسئلة متداولة حول هذا الموضوع.

  • لماذا يبدو سفر أخبار الأيام وكأنه يتجاهل خطايا داود؟

    لا يتجاهل السفر الخطايا، بل يركز على جوانب أخرى من حياة داود تخدم أهدافه اللاهوتية، مثل دوره في تنظيم العبادة والهيكل وإعداده للملك المسيح المنتظر.

  • هل هذا يعني أن سفر أخبار الأيام أقل صدقًا من سفري صموئيل؟

    كلا، كلا السفرين صادقان، ولكن لكل منهما هدفه الخاص. سفرا صموئيل يقدمان تاريخًا أكثر تفصيلاً، بينما يركز سفر أخبار الأيام على الجوانب اللاهوتية والروحية.

  • ماذا يمكننا أن نتعلم من هذا الاختلاف في الرواية؟

    نتعلم أن الكتاب المقدس يقدم وجهات نظر مختلفة حول نفس الأحداث، وأن كل وجهة نظر تساهم في فهمنا الأعمق لخطة الله.

الخلاصة

لماذا لا يذكر سفر أخبار الأيام خطية داود مع بثشبع؟ لأن السفر يركز على جوانب أخرى من حياة داود تخدم أهدافه اللاهوتية، مثل دوره في تنظيم العبادة والهيكل وإعداده للملك المسيح المنتظر. يجب أن نفهم أن الكتاب المقدس يقدم وجهات نظر مختلفة حول نفس الأحداث، وأن كل وجهة نظر تساهم في فهمنا الأعمق لخطة الله الخلاصية. يجب ألا نركز فقط على الخطايا والأخطاء، بل أن ننظر أيضًا إلى النعمة والرحمة اللتين تظهران في حياة الأشخاص الذين يستخدمهم الله لتحقيق إرادته. يجب أن نتعلم من أخطاء داود ونتوب عنها، وأن نسعى لنكون أمناء لله في كل ما نفعله.

Tags

الكتاب المقدس, سفر أخبار الأيام, داود, بثشبع, خطية, لاهوت, تفسير, العهد القديم, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, الآباء

Meta Description

لماذا لا يذكر سفر أخبار الأيام خطية داود مع بثشبع؟ استكشف الدوافع اللاهوتية من منظور أرثوذكسي. نظرة معمقة على الاختلافات بين صموئيل وأخبار الأيام، ورحمة الله وغفرانه.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *