الحكمة الإلهية لا الرواقية: نظرة تحليلية على سفر يشوع بن سيراخ
ملخص تنفيذي
يشاع سؤال بين البعض حول مدى تأثر سفر يشوع بن سيراخ بالفلسفة الرواقية، خاصة في حديثه عن الحكمة. هذه المقالة المتعمقة تسعى لدحض هذا الزعم من منظور أرثوذكسي قبطي. نوضح من خلال تحليل نصوص السفر، واستعراض أقوال الآباء، وفهم السياق التاريخي، أن الحكمة التي يقدمها يشوع بن سيراخ تنبع من الوحي الإلهي والتقاليد اليهودية، ولا تعكس المفاهيم الرواقية بشكل جوهري. بينما قد توجد بعض التشابهات السطحية في بعض الجوانب الأخلاقية، إلا أن الجذور اللاهوتية والأهداف الروحية تختلف اختلافًا كبيرًا. نهدف إلى تقديم فهم أعمق للحكمة الكتابية وتطبيقها في حياتنا اليومية.
انتشر في الآونة الأخيرة سؤال: هل يتأثر سفر يشوع بن سيراخ بالرواقية في حديثه عن الحكمة؟ هذا السؤال يستدعي منا فحصًا دقيقًا وموضوعيًا لمصادر الحكمة في سفر يشوع بن سيراخ، ومقارنتها بأسس الفلسفة الرواقية. دعونا نتعمق في هذا الموضوع لنرى ما إذا كانت هناك علاقة حقيقية بينهما، أم أن الأمر مجرد تشابه سطحي.
مصادر الحكمة في سفر يشوع بن سيراخ
يقدم سفر يشوع بن سيراخ رؤية شاملة للحكمة، مستمدة من عدة مصادر أساسية:
- الوحي الإلهي: الحكمة في السفر تُعطى كهبة من الله، وليست مجرد نتاج للعقل البشري. سفر الأمثال 1: 7 “مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَسْتَهِينُونَ بِالْحِكْمَةِ وَالأَدَبِ” (Smith & Van Dyke).
- الشريعة والتوراة: يعتبر السفر الشريعة الموسوية مصدرًا أساسيًا للحكمة. يشوع بن سيراخ 24: 23 “كُلُّ هَذَا هُوَ كِتَابُ عَهْدِ اللهِ الْعَلِيِّ، الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا مُوسَى إِرْثًا لِجَمَاعَاتِ يَعْقُوبَ” (Smith & Van Dyke).
- التقاليد اليهودية: يستمد السفر من التراث الشفوي والخبرات التاريخية للشعب اليهودي.
- ملاحظة الطبيعة والعالم: يدعو السفر إلى التأمل في خلق الله لاكتساب الحكمة.
الفلسفة الرواقية: نظرة موجزة
الرواقية هي مدرسة فلسفية يونانية-رومانية تؤكد على العيش وفقًا للطبيعة، وممارسة الفضيلة، والتحكم في المشاعر، وقبول ما لا يمكن تغييره. بعض المفاهيم الأساسية في الرواقية تشمل:
- العيش وفقًا للطبيعة: فهم النظام الكوني والعيش بانسجام معه.
- الفضيلة هي الخير الأسمى: التركيز على تطوير الصفات الأخلاقية الحميدة.
- التحكم في المشاعر: عدم السماح للعواطف بالسيطرة على العقل.
- اللامبالاة (Apatheia): السعي إلى حالة من الهدوء والسكينة الداخلية عن طريق التحرر من المشاعر السلبية.
أوجه التشابه والاختلاف بين حكمة يشوع بن سيراخ والرواقية
قد نجد بعض أوجه التشابه السطحية بين حكمة يشوع بن سيراخ والرواقية، مثل التركيز على الفضيلة وضبط النفس. إلا أن هناك اختلافات جوهرية في الأسس اللاهوتية والأهداف الروحية:
- المصدر: حكمة يشوع بن سيراخ تأتي من الله، بينما الحكمة الرواقية تعتبر نتاجًا للعقل البشري والتأمل في الطبيعة.
- الهدف: هدف يشوع بن سيراخ هو الوصول إلى مخافة الله والعيش في طاعته، بينما هدف الرواقية هو تحقيق السعادة والسكينة الداخلية.
- النظرة إلى الله: يشوع بن سيراخ يؤمن بإله شخصي خالق ومهتم بخليقته، بينما الرواقية لديها نظرة أكثر تجريدًا للطبيعة الإلهية.
- الدور الاجتماعي: يشجع يشوع بن سيراخ على المشاركة الفعالة في المجتمع الديني والاجتماعي، بينما تركز الرواقية بشكل أكبر على الفرد وسعادته الداخلية.
أقوال الآباء حول الحكمة الإلهية
يعلمنا آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الكثير عن الحكمة الإلهية. إليكم بعض الأمثلة:
- القديس أثناسيوس الرسولي: “Η σοφία του Θεού είναι ο Λόγος, δια του οποίου τα πάντα εγένοντο.” (The wisdom of God is the Word, through whom all things were made). – “حكمة الله هي الكلمة، الذي به كان كل شيء” (أثناسيوس، ضد الأريوسيين، الكتاب الثاني، 82). يؤكد القديس أثناسيوس هنا على أن الحكمة هي شخص السيد المسيح نفسه.
- القديس كيرلس الكبير: “Η σοφία η άνωθεν πρώτον μεν αγνή εστίν, έπειτα ειρηνική, επιεικής, ευπειθής, μεστή ελέους και καρπών αγαθών, αδιάκριτος, ανυπόκριτος.” (The wisdom from above is first pure, then peaceable, gentle, open to reason, full of mercy and good fruits, impartial, sincere). – “الحكمة التي من فوق هي أولاً طاهرة، ثم مسالمة، لطيفة، قابلة للإقناع، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، غير متحيزة، بلا رياء” (كيرلس الكبير، تعليق على رسالة يعقوب، 3: 17). يصف القديس كيرلس صفات الحكمة الحقيقية التي تأتي من الله.
السياق التاريخي والجغرافي لسفر يشوع بن سيراخ
كُتب سفر يشوع بن سيراخ في القدس في القرن الثاني قبل الميلاد. كانت القدس في ذلك الوقت مركزًا للثقافة اليهودية، ولكنها كانت أيضًا عرضة للتأثيرات الهلنستية. كان المؤلف، يشوع بن سيراخ، معلمًا حكيمًا حاول الحفاظ على الهوية اليهودية في مواجهة هذه التأثيرات. هذا السياق يساعدنا على فهم سبب تركيزه على الشريعة والتقاليد اليهودية كمصدر للحكمة.
❓أسئلة متكررة
- هل يعني هذا أن الفلسفة الرواقية باطلة؟ لا، الفلسفة الرواقية تحتوي على بعض الأفكار القيمة، ولكنها لا يمكن أن تحل محل الإيمان بالله والكتاب المقدس كمصدر للحكمة.
- هل يمكن للمسيحي أن يستفيد من قراءة الفلسفة الرواقية؟ نعم، ولكن يجب أن يكون حذرًا وأن يميز بين الأفكار المتوافقة مع الكتاب المقدس والأفكار المخالفة له.
- ما هي أفضل طريقة لاكتساب الحكمة الحقيقية؟ عن طريق قراءة الكتاب المقدس، والصلاة، والتأمل في خلق الله، والعيش في شركة مع المؤمنين الآخرين.
- كيف نطبق حكمة يشوع بن سيراخ في حياتنا اليوم؟ عن طريق السعي إلى مخافة الله، وطاعة وصاياه، والعيش حياة الفضيلة، وخدمة الآخرين بمحبة.
الخلاصة
في الختام، على الرغم من وجود بعض التشابهات السطحية بين حكمة يشوع بن سيراخ والفلسفة الرواقية، إلا أن هناك اختلافات جوهرية في الأسس اللاهوتية والأهداف الروحية. هل يتأثر سفر يشوع بن سيراخ بالرواقية في حديثه عن الحكمة؟ الإجابة هي لا. حكمة يشوع بن سيراخ تنبع من الوحي الإلهي والتقاليد اليهودية، وتهدف إلى قيادة الإنسان إلى مخافة الله والعيش في طاعته. فلنسعَ دائمًا إلى الحكمة التي من فوق، والتي هي “أولاً طاهرة، ثم مسالمة، لطيفة، قابلة للإقناع، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، غير متحيزة، بلا رياء” (يعقوب 3: 17).
Tags
يشوع بن سيراخ, الرواقية, الحكمة, فلسفة, لاهوت, آباء الكنيسة, المسيحية, الكتاب المقدس, العهد القديم, الأرثوذكسية
Meta Description
هل يتأثر سفر يشوع بن سيراخ بالرواقية؟ تحليل لاهوتي أرثوذكسي قبطي يقارن بين حكمة يشوع بن سيراخ والفلسفة الرواقية، مع أقوال الآباء وتطبيقات عملية.