كيف نفهم قول سيراخ: “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” في ضوء التجارب؟
مُلخّص تنفيذي
إنّ عبارة سفر يشوع بن سيراخ “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” (سيراخ 15: 20) تبدو ظاهريًا متعارضة مع أحداث العهد القديم، حيث يسمح الله بالتجارب التي تؤدي أحيانًا إلى نتائج سلبية. هذه المقالة تسعى إلى فهم هذا القول في ضوء التقليد الكنسي القبطي الأرثوذكسي، بالاستناد إلى الكتاب المقدس بعهديه، وأقوال الآباء، وفهمنا لطبيعة الله ورحمته. سنستكشف كيف أنّ الله يسمح بالتجارب ليس كأمر بالشر، بل كوسيلة لتنقية النفس، واختبار الإيمان، وتحقيق الخير الأسمى في حياة المؤمنين. نهدف من خلال هذا البحث إلى تقديم رؤية متوازنة تجمع بين عدالة الله ومحبته، وكيف أنّ التجارب، رغم صعوبتها، تحمل في طياتها فرصًا للنمو الروحي والاقتراب من الله. هذا الفهم العميق يساعدنا على مواجهة تحديات الحياة بإيمان ورجاء راسخين، مدركين أنّ الله حاضر في كل لحظة، ويحوّل الشر إلى خير.
كيف نفهم قول سيراخ: “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” (سي 15: 20) في ضوء أحداث العهد القديم حيث يسمح الله بالتجارب؟ هذا السؤال يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة الله وعلاقته بالشر والمعاناة. في هذه المقالة، سنحاول الإجابة على هذا السؤال من منظور أرثوذكسي قبطي، مستندين إلى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وأقوال الآباء، والتقليد الكنسي.
الله ليس مصدر الشر: نظرة عقائدية
إنّ العقيدة المسيحية الأرثوذكسية تؤكد بكل وضوح أنّ الله ليس مصدر الشر. الله هو الخير المطلق، وكل ما يصدر عنه هو خير. الشر ليس له وجود بذاته، بل هو انحراف عن الخير، وغياب له. سفر يشوع بن سيراخ (15: 11-12) يقول: “لاَ تَقُلْ: “إِنَّ الرَّبَّ هُوَ سَبَبُ ارْتِدَادِي،” لأَنَّهُ لاَ يَصْنَعُ مَا يَكْرَهُ. لاَ تَقُلْ: “هُوَ أَضَلَّنِي،” لأَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الأَشْرَارِ”.
وهذا ما أكده القديس يعقوب الرسول في رسالته (يعقوب 1: 13): “لَا يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لَا يُجَرِّبُ أَحَدًا”.
أقوال الآباء في نفي نسبة الشر إلى الله
- القديس أثناسيوس الرسولي: “οὐ γὰρ ἔστιν αἴτιος τῶν κακῶν ὁ Θεός, ἀλλ’ ἡμᾶς αὐτοὺς αἴτιους ποιούμεθα τῇ ἀμελείᾳ ἡμῶν.” (Contra Gentes, 3) – “الله ليس علة الشرور، بل نحن نجعل أنفسنا علة بإهمالنا.” (Arabic: “ليس الله سببًا للشرور، بل نحن نجعل أنفسنا السبب بإهمالنا.”)
- القديس باسيليوس الكبير: “Οὐ γὰρ ὁ Θεὸς ἐποίησε τὸν θάνατον, οὐδὲ χαίρει ἐπὶ ἀπωλείᾳ ζώντων.” (Homilia in Hexaemeron, 2.6) – “لم يصنع الله الموت، ولا يسر بهلاك الأحياء.” (Arabic: “لم يخلق الله الموت، ولا يفرح بهلاك الأحياء.”)
السماح بالتجارب: حكمة إلهية
إذًا، كيف نفهم أحداث العهد القديم حيث يسمح الله بالتجارب؟ إنّ السماح بالتجارب لا يعني الأمر بالشر، بل هو السماح بوجود ظرف معين، أو وضع يسمح بظهور الشر كامتحان للإنسان، أو كعقاب على خطاياه، أو كفرصة للنمو الروحي.
الله يسمح بالتجارب لعدة أسباب:
- اختبار الإيمان: كما في قصة أيوب الصديق، حيث سمح الله للشيطان بتجربته، ليس لأنه أراد له الشر، بل ليظهر قوة إيمانه وصبره. (أيوب 1: 6-12).
- تأديب المحبوب: “لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ” (عبرانيين 12: 6). التأديب هو وسيلة لتقويم السلوك، وإعادة الإنسان إلى الطريق الصحيح.
- تنقية النفس: التجارب كالنار التي تصفي الذهب من الشوائب. فهي تكشف نقاط الضعف فينا، وتساعدنا على التخلص منها.
- تحقيق الخير الأسمى: حتى التجارب الصعبة يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى الطويل، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي.
أمثلة من العهد القديم: دراسة سياقية
دعونا نتأمل بعض الأمثلة من العهد القديم:
- تجربة إبراهيم بذبح ابنه إسحاق: لم يكن الله يريد لإبراهيم أن يقتل ابنه بالفعل، بل كان يختبر إيمانه وطاعته. (تكوين 22: 1-19). هذه القصة تظهر أنّ الله يقدر الطاعة أكثر من الذبائح الحرفية.
- ضربات مصر: كانت الضربات وسيلة لإقناع فرعون بإطلاق سراح بني إسرائيل، وكانت أيضًا عقابًا على قساوة قلبه وعبادته للأوثان. (خروج 7-12).
- السبي البابلي: كان السبي نتيجة لخطايا بني إسرائيل وابتعادهم عن الله. ولكنه أيضًا كان فرصة للتوبة والرجوع إلى الله. (إرميا 29: 10-14).
التجارب في حياتنا اليومية: تطبيقات روحية
التجارب ليست مقتصرة على شخصيات الكتاب المقدس. كل واحد منا يواجه تجارب في حياته اليومية، سواء كانت صحية، أو مادية، أو عائلية، أو اجتماعية. كيف نتعامل مع هذه التجارب؟
- بالصلاة: الصلاة هي السلاح الأقوى في مواجهة التجارب. “اُدْعُنِي فِي يَوْمِ ضِيقِكَ أُنْقِذُكَ فَتُمَجِّدُنِي” (مزمور 50: 15).
- بالصبر: الصبر هو فضيلة عظيمة تساعدنا على تحمل التجارب بثبات ورجاء. “بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ” (لوقا 21: 19).
- بالرجاء: الرجاء هو الثقة بأنّ الله قادر على تحويل الشر إلى خير. “الرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا” (رومية 5: 5).
- بالاتكال على الله: “أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ. لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ” (مزمور 55: 22).
FAQ ❓
- سؤال: هل الله يسمح بوقوع الشر؟
جواب: الله يسمح بوجود الشر كجزء من خطته الإلهية، ولكنه لا يأمر به. السماح بالشر يسمح لنا بممارسة حرية الاختيار، ويمنحنا فرصًا للنمو الروحي من خلال التغلب على التحديات.
- سؤال: لماذا يسمح الله بمعاناة الأبرياء؟
جواب: معاناة الأبرياء هي سر من أسرار الإيمان. قد تكون هذه المعاناة امتحانًا لإيمانهم، أو وسيلة لتقوية شخصيتهم، أو فرصة لهم لمشاركة آلام المسيح. في النهاية، الله سيعوضهم عن كل آلامهم في الأبدية.
- سؤال: كيف يمكنني أن أثق في الله في وقت التجربة؟
جواب: الثقة في الله تتطلب إيمانًا عميقًا ومعرفة شخصية به. اقرأ الكتاب المقدس، وصلّ بانتظام، واطلب المشورة من مرشد روحي، وتأمل في محبة الله ورحمته. تذكر أنّ الله معك في كل لحظة، وهو قادر على أن يحول الشر إلى خير.
الخلاصة
إنّ فهمنا لقول سيراخ “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” (سيراخ 15: 20) في ضوء التجارب في العهد القديم يتطلب رؤية شاملة تجمع بين عدالة الله ومحبته. الله لا يأمر بالشر، ولكنه يسمح بالتجارب كوسيلة لتنقية النفس، واختبار الإيمان، وتحقيق الخير الأسمى. يجب علينا أن نتعامل مع التجارب بالصلاة والصبر والرجاء، متذكرين أنّ الله حاضر في كل لحظة، وهو قادر على أن يحول الشر إلى خير. من خلال هذه النظرة، يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالإيمان والسلام، حتى في وسط أصعب الظروف. إنّ اختبار الإيمان، وتنقية النفس، وتحقيق الخير الأسمى، كل ذلك يساهم في فهم أعمق لـ كيف نفهم قول سيراخ: “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” (سي 15: 20) في ضوء التجارب.
Tags
الله, الشر, التجارب, الكتاب المقدس, سيراخ, العهد القديم, الآباء, الأرثوذكسية, الإيمان, الصبر
Meta Description
كيف نفهم قول سيراخ: “الله لم يأمر أحدًا أن يفعل الشر” (سي 15: 20) في ضوء التجارب؟ بحث أرثوذكسي قبطي يعمق فهمنا للتجارب ودور الله فيها، مستندًا إلى الكتاب المقدس وأقوال الآباء.