كيف نفهم نصوص مثل: “لأن الله لم يخلق الموت” بينما نقرأ أن الموت دخل بسبب الخطية؟ نظرة أرثوذكسية قبطية
ملخص تنفيذي: فهم العلاقة بين خلق الله والحياة ودخول الموت بالخطية
كيف نفهم نصوص مثل: “لأن الله لم يخلق الموت” (حك 1: 13) بينما نقرأ أن الموت دخل بسبب الخطية؟ هذا السؤال العميق يثير تساؤلات حول طبيعة الله، والخليقة، والخطية، والموت. سنستكشف هذا التناقض الظاهري من خلال منظور أرثوذكسي قبطي، مستندين إلى الكتاب المقدس بعهديه، وأقوال الآباء، وفهمنا اللاهوتي الموروث. سنبين أن الله خلق الحياة، وأن الموت لم يكن جزءًا من خطته الأصلية، بل دخل كنتيجة طبيعية وحتمية للخطية التي عصت إرادة الله، وأفسدت طبيعة الإنسان والعالم. هدفنا هو تقديم فهم متوازن وواضح، يرسخ إيماننا بالله المحب والحكيم، الذي يعمل على خلاصنا من الموت الأبدي.
مقدمة: تساؤلات حول الموت وأصل الحياة
لطالما شغلت فكرة الموت البشرية، وأثارت تساؤلات عميقة حول أصل الحياة ومصير الإنسان. كيف يمكننا التوفيق بين القول بأن الله لم يخلق الموت، وبين حقيقة أن الموت موجود، بل ويؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا؟ هذا هو السؤال الذي سنتناوله في هذا المقال، مسترشدين بتعاليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
الله لم يخلق الموت: سياق الكتاب المقدس ورؤية الآباء
لفهم عبارة “لأن الله لم يخلق الموت” (حكمة سليمان 1: 13)، يجب أن نضعها في سياقها الكامل. سفر الحكمة، وهو أحد الأسفار القانونية الثانية المقبولة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يؤكد على عدل الله وصلاحه. هذه الآية تعني أن الله لم يخلق الموت كجزء أصيل من الخليقة، بل خُلق كل شيء ليدوم.
يؤكد سفر الحكمة (1: 14-15) على هذا المعنى:
لأنه خلق كل شيء ليبقى وصنع أجيال العالم سليمة وليس فيه سم مهلك ولا سلطان الجحيم على الأرض. لأن البر عديم الموت.
يؤكد هذا النص أن الله خلق العالم ليكون سليما ودائما، والموت ليس جزءا من هذا التصميم الأصلي.
- الخلق الأصلي كان صالحًا: يشدد الكتاب المقدس في سفر التكوين (1: 31) على أن الله رأى كل ما صنعه فإذا هو حسن جدًا. لم يكن هناك موت أو فساد في هذه الخليقة الأصلية.
- الموت كنتيجة للخطية: يوضح سفر التكوين (2: 17) أن الله حذر آدم من أكل ثمر الشجرة المحرمة، قائلاً: “لأنك يوم تأكل منها موتا تموت”. هنا، نرى أن الموت مرتبط بالخطية والعصيان.
- تعليم الآباء: يشرح الآباء هذا المفهوم بتعمق. القديس أثناسيوس الرسولي، في كتابه “تجسد الكلمة”، يوضح أن الإنسان خُلق ليبقى، ولكن بالخطية، انحرف عن هذا الغرض الأصلي.
يقول القديس أثناسيوس (باليونانية):
Ἀθανάσιος Ἀλεξανδρείας, Περὶ Ἐνανθρωπήσεως Λόγου, 4. (Athanasius of Alexandria, On the Incarnation, 4.)
English: “For God created man for incorruption, and made him an image of His own eternity; but through the devil’s envy, death entered into the world.”
Arabic: “لأن الله خلق الإنسان لعدم الفساد، وجعله صورة لأبديته الخاصة؛ ولكن بحسد إبليس، دخل الموت إلى العالم.”
هذا القول يلخص الفهم الأرثوذكسي بأن الموت لم يكن جزءًا من خطة الله الأصلية، بل دخل كنتيجة للخطية.
كيف دخل الموت بسبب الخطية؟
الموت ليس مجرد نهاية للحياة الجسدية، بل هو أيضًا انفصال روحي عن الله. الخطية فصلت الإنسان عن الله، مصدر الحياة، مما أدى إلى الموت الجسدي والروحي.
رسالة رومية (5: 12) تؤكد:
«من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (Romans 5:12, Smith & Van Dyke).
توضح هذه الآية أن الخطية دخلت العالم من خلال آدم، وبسبب الخطية دخل الموت، وهكذا انتشر الموت إلى جميع الناس لأن الجميع أخطأوا. هذه ليست عقوبة تعسفية، بل هي نتيجة طبيعية للانفصال عن الله.
- فساد الطبيعة البشرية: الخطية أفسدت طبيعة الإنسان، مما أدى إلى الشيخوخة والمرض والموت.
- فقدان الشركة مع الله: الخطية قطعت الشركة الوثيقة التي كانت بين الإنسان والله، مما أدى إلى الموت الروحي.
- الموت كحقيقة واقعة: الموت هو تذكير دائم بعواقب الخطية وحاجتنا إلى الخلاص.
الفداء في المسيح: النصر على الموت
بنعمة الله، لم نترك للموت والفساد. بتجسد السيد المسيح وموته وقيامته، هزم الموت وأعطانا رجاء الحياة الأبدية.
يوحنا (11: 25-26) يسجل قول المسيح:
«قال لها يسوع أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد أتؤمنين بهذا» (John 11:25-26, Smith & Van Dyke).
المسيح هو القيامة والحياة، والإيمان به يضمن لنا الحياة الأبدية، حتى وإن متنا جسديًا.
- الموت هو نوم: في المسيح، الموت ليس النهاية، بل هو نوم ننتظر القيامة.
- الحياة الأبدية: المسيح أعطانا وعدًا بالحياة الأبدية في ملكوته.
- القيامة: المسيح قام من الأموات، وهذا يضمن قيامتنا في اليوم الأخير.
FAQ ❓
-
س: هل يعني أن الله غير قادر على منع الموت؟
ج: الله قادر على كل شيء، ولكنه اختار أن يحترم حرية الإنسان. دخول الخطية كان نتيجة اختيار الإنسان، والموت هو نتيجة طبيعية لهذا الاختيار. لكن الله، في محبته، أرسل ابنه ليخلصنا من الموت الأبدي.
-
س: كيف نفهم أن الموت هو نتيجة للخطية بالنسبة للأطفال الذين يموتون؟
ج: الكنيسة تؤمن بأن الأطفال الذين يموتون قبل سن المسؤولية ينالون الرحمة الإلهية. على الرغم من أنهم ورثوا الطبيعة الخاطئة، إلا أنهم لم يرتكبوا خطايا شخصية، ونحن نثق في عدل الله ورحمته المطلقة.
-
س: ما هو دور المعمودية في التغلب على الموت؟
ج: المعمودية هي سر الموت والدفن والقيامة مع المسيح. من خلال المعمودية، ننال الميلاد الجديد ونموت عن الإنسان العتيق، ونقوم مع المسيح لحياة جديدة، استعدادا للحياة الأبدية.
الخلاصة: رجاء في المسيح وغلبة للموت
كيف نفهم نصوص مثل: “لأن الله لم يخلق الموت” بينما نقرأ أن الموت دخل بسبب الخطية؟ الإجابة تكمن في فهم طبيعة الله المحبة وعدله. الله خلقنا للحياة، ولكننا باختيارنا أفسدنا هذه الحياة بالخطية، مما أدى إلى الموت. ومع ذلك، في محبته اللامتناهية، أرسل ابنه ليخلصنا من الموت الأبدي ويمنحنا رجاء الحياة الأبدية من خلال الإيمان به والمعمودية. فلنتمسك بهذا الرجاء، ونسعى جاهدين للعيش حياة ترضي الله، منتظرين بفرح قيامة الأموات والحياة الأبدية.
Tags
الموت, الخطية, الله, الكتاب المقدس, الآباء, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, الحياة الأبدية, الفداء, المسيح, القيامة
Meta Description
كيف نفهم نصوص مثل: “لأن الله لم يخلق الموت” بينما نقرأ أن الموت دخل بسبب الخطية؟ استكشاف أرثوذكسي قبطي لأصل الموت ودور المسيح في الفداء والحياة الأبدية.