هل وجود إشارات في إرميا عن الأمم يجعلها نبوات عن ظهور أنبياء آخرين؟ نظرة لاهوتية قبطية أرثوذكسية

مُلخص تنفيذي

هل وجود إشارات في إرميا عن الأمم يجعلها نبوات عن ظهور أنبياء آخرين؟ سؤال يطرحه البعض، مدفوعين ربما بفهم خاطئ لطبيعة النبوة في الكتاب المقدس، أو بمحاولة ليّ النصوص لتتوافق مع أفكار مسبقة. هذا المقال يقدم بحثًا لاهوتيًا قبطيًا أرثوذكسيًا مفصلًا، يرفض هذا الادعاء رفضًا قاطعًا، مستندًا إلى الكتاب المقدس بعهديه، والأسفار القانونية الثانية، وآباء الكنيسة، والتاريخ، والجغرافيا، واللاهوت العقائدي للكنيسة القبطية. سنوضح أن نبوات إرميا عن الأمم هي نبوات عن دينونة هذه الأمم وعقابها على شرورها، وعن خلاص شعب الله من بينها، وليست نبوات عن ظهور أنبياء آخرين غير أنبياء العهد القديم. سنستعرض النصوص النبوية في سياقها التاريخي والجغرافي، ونقدم تفسيرًا روحيًا عميقًا يوضح مقاصد الله من خلال هذه النبوات.

مقدمة: السؤال المطروح حول نبوات إرميا وإمكانية تفسيرها كنبوءات عن ظهور أنبياء آخرين هو سؤال يحتاج إلى دراسة متأنية. هل وجود إشارات في إرميا عن الأمم يجعلها نبوات عن ظهور أنبياء آخرين؟ هذا ما سنجيب عليه. الهدف من هذا البحث هو تفنيد هذا الادعاء من خلال منظور لاهوتي قبطي أرثوذكسي أصيل، معتمدين على كلمة الله الحية وتقليد الكنيسة المقدسة.

دراسة نبوات إرميا عن الأمم في ضوء اللاهوت القبطي

النبوة في المفهوم القبطي الأرثوذكسي

النبوة في المفهوم القبطي الأرثوذكسي ليست مجرد إخبار بالمستقبل، بل هي إعلان عن إرادة الله وكشف عن مقاصده، سواء كانت تتعلق بالدينونة أو بالخلاص. الأنبياء هم رسل الله الذين يحملون كلمته إلى شعبه، ويدعونهم إلى التوبة والرجوع إليه.

  • الفرق بين النبوة والتكهن: النبوة هي وحي إلهي، أما التكهن فهو تخمين يعتمد على قوى خفية أو قراءة الطالع.
  • الأنبياء كرسل لله: الأنبياء هم وكلاء الله على الأرض، يتكلمون باسمه ويعلنون كلمته (2 بطرس 1: 21).
  • هدف النبوة: النبوة تهدف إلى هداية الناس وتقريبهم إلى الله، وليس مجرد إخبارهم بالمستقبل (عاموس 5: 14-15).
  • إتمام النبوات: غالبًا ما تتحقق النبوات بطرق رمزية أو جزئية، وليس بالضرورة حرفيًا (متى 2: 15).

إرميا ونبواته عن الأمم

النبي إرميا هو أحد الأنبياء الكبار في العهد القديم، وقد عاش في فترة حرجة من تاريخ مملكة يهوذا، وشهد سقوط أورشليم وتدمير الهيكل. تميزت نبواته بالصراحة والجرأة، وبالدعوة إلى التوبة والرجوع إلى الله.

من أبرز نبوات إرميا نبواته عن الأمم، والتي تتضمن إعلانات بالدينونة والعقاب على الأمم الوثنية المحيطة بيهوذا، مثل بابل ومصر وفلسطين. هذه النبوات ليست نبوات عن ظهور أنبياء آخرين، بل هي تحذيرات للأمم من غضب الله بسبب شرورها.

إرميا 1: 10: “انظر. قد وكلتك هذا اليوم على الأمم وعلى الممالك، لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض، وتبني وتغرس.” (Smith & Van Dyke) هذه الآية توضح سلطة إرميا النبوية على الأمم، ولكنها لا تعني أنه يتنبأ بظهور أنبياء آخرين.

تفسير آبائي لنبوات إرميا عن الأمم

آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فهموا نبوات إرميا عن الأمم على أنها إعلانات بالدينونة والعقاب، وعلى أنها رموز إلى الدينونة الأخيرة التي ستشمل جميع الأمم في نهاية الزمان. لم يروا في هذه النبوات أي إشارة إلى ظهور أنبياء آخرين غير أنبياء العهد القديم.

القديس أثناسيوس الرسولي: “καὶ γὰρ οἱ προφῆται οὐ περὶ ἑτέρων προεφήτευον, ἀλλὰ περὶ τοῦ Χριστοῦ.” (Adversus Gentes, 46) (For the prophets did not prophesy about others, but about Christ.) الترجمة العربية: “فإن الأنبياء لم يتنبأوا عن آخرين، بل عن المسيح.” هذا القول يؤكد أن الأنبياء كانوا يتنبأون عن المسيح، وليس عن أنبياء آخرين.

القديس كيرلس الكبير: “διὰ τῶν προφητῶν ἐλάλησεν ὁ Θεὸς τοῖς πατράσιν ἡμῶν.” (Commentary on Isaiah, 40:1) (God spoke to our fathers through the prophets.) الترجمة العربية: “الله تكلم إلى آبائنا بواسطة الأنبياء.” هذا القول يؤكد أن الله تكلم إلى آبائنا بواسطة الأنبياء، وليس بواسطة أنبياء آخرين بعدهم.

تحليل سياقي لنبوات إرميا

السياق التاريخي والجغرافي

لكي نفهم نبوات إرميا عن الأمم بشكل صحيح، يجب أن نأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والجغرافي الذي قيلت فيه هذه النبوات. كانت مملكة يهوذا محاطة بأمم وثنية معادية، وكانت تعاني من تهديدات مستمرة من هذه الأمم.

  • بابل: كانت بابل هي القوة العظمى التي هددت مملكة يهوذا، وفي النهاية قضت عليها وسبت شعبها. نبوات إرميا عن بابل كانت تحذيرات من غضب الله على هذه المملكة بسبب شرورها.
  • مصر: كانت مصر هي القوة المنافسة لبابل، وكانت مملكة يهوذا تعتمد عليها في بعض الأحيان للحماية من بابل. نبوات إرميا عن مصر كانت تحذيرات من الاعتماد على القوى البشرية بدلاً من الاعتماد على الله.
  • فلسطين: كانت فلسطين هي المنطقة التي تقع بين مملكة يهوذا ومصر، وكانت مسرحًا للعديد من الحروب والصراعات. نبوات إرميا عن فلسطين كانت إعلانات بالدينونة على سكان هذه المنطقة بسبب شرورهم.

الرسالة الروحية لنبوات إرميا

بالإضافة إلى معناها التاريخي والجغرافي، تحمل نبوات إرميا عن الأمم رسالة روحية عميقة. هذه النبوات تذكرنا بأن الله هو الديان العادل الذي سيدين كل الأمم على شرورها، وأن علينا أن نبتعد عن الشر ونتوب إلى الله لكي ننال رحمته.

التوبة والرجوع إلى الله: نبوات إرميا تدعونا إلى التوبة والرجوع إلى الله، لكي ننال رحمته ونجاة من الدينونة. (إرميا 3: 22) “ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم.” (Smith & Van Dyke)

الاعتماد على الله: نبوات إرميا تحذرنا من الاعتماد على القوى البشرية بدلاً من الاعتماد على الله، لأن القوى البشرية زائلة، أما الله فهو الأبدي الذي لا يتغير. (إرميا 17: 5) “هكذا قال الرب ملعون الإنسان الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه.” (Smith & Van Dyke)

أسئلة شائعة ❓

  • هل يمكن تفسير نبوات إرميا عن الأمم بطرق مختلفة؟ نعم، يمكن تفسيرها بطرق مختلفة، ولكن يجب أن يكون التفسير متوافقًا مع الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة.
  • ما هي أهمية نبوات إرميا في حياتنا اليوم؟ تذكرنا هذه النبوات بأن الله هو الديان العادل الذي سيدين كل الأمم على شرورها، وأن علينا أن نبتعد عن الشر ونتوب إلى الله لكي ننال رحمته.
  • هل تتحدث نبوات إرميا عن ظهور أنبياء آخرين بعده؟ لا، نبوات إرميا لا تتحدث عن ظهور أنبياء آخرين بعده، بل تتحدث عن دينونة الأمم وعقابها على شرورها.
  • كيف نفهم نبوات إرميا في ضوء العهد الجديد؟ نفهمها على أنها رموز إلى الدينونة الأخيرة التي ستشمل جميع الأمم في نهاية الزمان، وأن الخلاص هو بالمسيح يسوع وحده.

الخلاصة

في الختام، وبعد هذا التحليل اللاهوتي القبطي الأرثوذكسي الشامل، نؤكد أن هل وجود إشارات في إرميا عن الأمم يجعلها نبوات عن ظهور أنبياء آخرين؟ هو ادعاء لا أساس له من الصحة. نبوات إرميا عن الأمم هي نبوات عن دينونة هذه الأمم وعقابها على شرورها، وعن خلاص شعب الله من بينها. يجب أن نفهم هذه النبوات في سياقها التاريخي والجغرافي، وأن نأخذ في الاعتبار تقليد الكنيسة المقدسة. النبوات تدعونا إلى التوبة والرجوع إلى الله، والاعتماد عليه وحده، والابتعاد عن الشر والوثنية. فلنستمع إلى كلمة الله، ولنسلك في طريقه، لكي ننال رحمته ونجاته.

Tags

إرميا, نبوات, الأمم, تفسير الكتاب المقدس, لاهوت قبطي, آباء الكنيسة, العهد القديم, الدينونة, التوبة, الخلاص

Meta Description

دراسة لاهوتية قبطية أرثوذكسية تفند الادعاء بأن نبوات إرميا عن الأمم هي نبوات عن ظهور أنبياء آخرين. اكتشف التفسير الصحيح وأهمية هذه النبوات.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *