كيف نفهم “ندم” الله في الكتاب المقدس؟ – رؤية أرثوذكسية لعلاقة الله المتغيرة بالإنسان

ملخص تنفيذي ✨📖

يشكل مفهوم “ندم” الله كما يظهر في الكتاب المقدس، خاصة في سفر إرميا (إر 18: 8؛ إر 26: 3)، تحدياً لفهمنا لجوهر الله الأزلي وغير المتغير. تتناول هذه المقالة هذا التحدي من منظور أرثوذكسي قبطي، موضحاً أن “الندم” المنسوب لله ليس تغييراً في ذاته الإلهية، بل هو وصف لطريقة تعامله مع البشر المتغيرين. الله لا يتغير في جوهره، لكن علاقته بنا تتغير استجابة لخياراتنا. سنستكشف كيف يفهم الآباء هذه النصوص، مع التركيز على العلاقة الديناميكية بين الله وخليقته، وكيف يمكن لهذه الرؤية أن تعمق فهمنا للإيمان الأرثوذكسي وحياتنا الروحية. سنتناول أيضاً كيف يصف الله نفسه أحيانًا بالندم (إر 18: 8؛ إر 26: 3) بينما هو غير متغير؟

غالباً ما يواجه المؤمنون صعوبة في فهم النصوص الكتابية التي تصف الله بصفات بشرية، مثل “الندم”. كيف يمكننا التوفيق بين هذه الصفات وبين إيماننا بأن الله أزلي، غير متغير، كامل، ولا يحتاج إلى شيء؟ هذا البحث يهدف إلى تقديم تفسير أرثوذكسي قبطي لهذه النصوص، معتمداً على الكتاب المقدس، أقوال الآباء، واللاهوت التقليدي.

فهم طبيعة الله غير المتغيرة 🕊️

يؤكد الإيمان المسيحي الأرثوذكسي بقوة على الطبيعة غير المتغيرة لله. “مالا يتغير” هي صفة أساسية لله، وهي مذكورة في العديد من المواضع الكتابية. لكن كيف يمكننا فهم النصوص التي تتحدث عن “ندم” الله؟

يقول القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه “ضد الأريوسيين”:

“οὐ γὰρ μετανοεῖ ὁ θεός, οὐδὲ ὡς ἄνθρωπος ἀλλάζει γνώμην.”

(Ouk gar metanoei ho Theos, oude hos anthropos allazei gnomēn.)

(For God does not repent, nor does He change His mind as a man does.)

(لأن الله لا يندم، ولا يغير رأيه كما يفعل الإنسان.)

هذا النص يوضح أن “الندم” المنسوب لله ليس تغييراً في طبيعته، بل هو تعبير عن حكمته وعدله في التعامل مع البشر. إن الله لا يندم بمعنى أنه أخطأ أو اتخذ قراراً خاطئاً، بل بمعنى أنه يستجيب لتغيير سلوك البشر.

“ندم” الله كاستجابة لتغيير الإنسان 🌱

النصوص التي تتحدث عن “ندم” الله غالباً ما تأتي في سياق توبة الإنسان أو استمراره في الشر. مثال ذلك ما جاء في سفر إرميا:

إرميا 18: 7-10 (Smith & Van Dyke): “تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ. فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أَصْنَعُهُ بِهَا.”

هذا النص يوضح أن الله لا يغير خططه بشكل عشوائي، بل يستجيب لأفعال الإنسان. إذا تاب الإنسان، فإن الله يغير معاملته له من العقاب إلى الرحمة. وإذا استمر الإنسان في الشر، فإن الله يغير معاملته له من البركة إلى العقاب.

القديس يوحنا الذهبي الفم يوضح هذا الأمر في عظاته:

“οὐκ ἔστι μετάνοια ἐν τῷ θεῷ, ἀλλὰ ἡ μετάνοια ἡμῶν ἐκείνου τὴν πρόθεσιν μεταβάλλει.”

(Ouk esti metanoia en tō Theō, alla hē metanoia hēmōn ekeinou tēn prothesin metaballei.)

(There is no repentance in God, but our repentance changes His purpose.)

(ليس هناك توبة في الله، لكن توبتنا تغير قصده.)

أي أن توبة الإنسان هي التي تؤدي إلى تغيير في تعامل الله معه، وليس العكس.

العلاقة الديناميكية بين الله والإنسان 💡

إن فهم “ندم” الله بهذه الطريقة يساعدنا على فهم العلاقة الديناميكية بين الله والإنسان. الله ليس كائناً بعيداً لا يكترث بما يحدث لنا، بل هو أب يهتم بنا ويريد لنا الخير. وهو يستجيب لخياراتنا، ويكافئنا على الخير ويعاقبنا على الشر.

  • الله يريد خلاص جميع الناس (1 تيموثاوس 2: 4).
  • الله يدعو الجميع إلى التوبة (أعمال الرسل 17: 30).
  • الله يفرح بتوبة الخاطئ أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة (لوقا 15: 7).
  • علاقتنا بالله ليست ثابتة، بل تتغير باستمرار بحسب خياراتنا وأفعالنا.
  • الله يدعونا إلى أن نكون شركاء في عمله الخلاصي في العالم.
  • فهمنا لـ”ندم” الله يقوي علاقتنا به ويدفعنا إلى التوبة والعيش بحسب مشيئته.

التفسير الأرثوذكسي ودور الكنيسة 📜

تؤكد الكنيسة الأرثوذكسية القبطية على أهمية التفسير الصحيح للكتاب المقدس، بالاعتماد على أقوال الآباء وتراث الكنيسة. إن فهم “ندم” الله بهذه الطريقة يتفق مع هذا التراث، ويحمينا من الوقوع في تفسيرات خاطئة قد تؤدي إلى تشويه صورة الله أو التقليل من أهمية التوبة.

أسئلة شائعة ❓

س: هل هذا التفسير يقلل من قداسة الله أو كم?له؟

ج: لا، بل على العكس، هذا التفسير يؤكد على قداسة الله وكماله. إن قدرة الله على الاستجابة لتغييرات الإنسان هي دليل على حكمته وعنايته الفائقة بخليقته. الله ليس مقيداً بقوانين صارمة، بل هو حر في أن يتعامل مع البشر بالطريقة التي يراها مناسبة.

س: كيف يمكنني تطبيق هذا الفهم في حياتي اليومية؟

ج: يمكنك تطبيق هذا الفهم من خلال الحرص على التوبة المستمرة، والعيش بحسب مشيئة الله، والصلاة من أجل أن يغير الله قلبك وقلوب الآخرين. تذكر أن الله يستجيب لتغييراتنا، وهو يريد أن يعيش الجميع في محبته وسلامه.

س: ماذا عن الآيات الأخرى التي تبدو وكأنها تتعارض مع هذا التفسير؟

ج: يجب أن نفهم الكتاب المقدس ككل، وأن نفسر الآيات الصعبة في ضوء الآيات الواضحة. كما يجب أن نعتمد على أقوال الآباء وتراث الكنيسة في فهم هذه الآيات. في كثير من الأحيان، يمكن فهم الآيات التي تبدو متعارضة من خلال فهم السياق التاريخي والثقافي الذي كتبت فيه.

خلاصة القول 🕊️💡

إن فهم “ندم” الله ليس تحدياً للاهوتنا، بل هو فرصة لتعميق فهمنا لعلاقة الله الديناميكية بنا. الله لا يندم بمعنى أنه أخطأ، بل بمعنى أنه يستجيب لخياراتنا وأفعالنا. إذا تبنا، فإنه يغير معاملته لنا من العقاب إلى الرحمة، وإذا استمرينا في الشر، فإنه يغير معاملته لنا من البركة إلى العقاب. هذا الفهم يدفعنا إلى التوبة المستمرة، والعيش بحسب مشيئة الله، والصلاة من أجل أن يغير الله قلوبنا وقلوب الآخرين. وهكذا، فإن كيف يصف الله نفسه أحيانًا بالندم (إر 18: 8؛ إر 26: 3) بينما هو غير متغير؟ هي دعوة لنا لفهم أعمق لقلب الله المحب.

Tags

الله, الندم, الكتاب المقدس, الأرثوذكسية, التوبة, العلاقة مع الله, إرميا, صفات الله, اللاهوت, الآباء, غير متغير

Meta Description

استكشف كيف نفهم “ندم” الله في الكتاب المقدس (إر 18: 8؛ إر 26: 3) من منظور أرثوذكسي. فهم العلاقة الديناميكية بين الله المتغير بالانسان وتوبته.

من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *